***
تُعتبر النصّة أولى خُطوات الزواج، وهي إقامة سهرات ليليّة احتفالاً بالزواج قبل الفاردة بثلاثة أيام على الأقل، تُرفع فيها الأعلام وتُضاء المصابيح، وتُختار أيام مُقمرة توفيراً للضوء، وترتفع الزغاريد والمهاهاة (وهي مواويل نِسائية يذكرنَ فيها أمجاد العشيرة وأمجاد رجالها )، وتجتمع لذلك نساء القرية، والأهازيج في المْحَرَم، ويأتي الرجال للاحتفال والتهنئة في شِقّ البيت (المضافة) أو الساحة، يحتسون القهوة والشاي ويأكلون الحلوى ويقيمون السامر، وهو طريقة غِناء جماعي تراثيّ مع حركات هادئة خاصة بالرّجال، وربّما تُشارك إحدى النساء (ونادراُ ما تحدث) في السّامر؛ تمرُّ من أمامهم يمنةً ويُسرى، تحثُّهم على الرّقص وتستفزّهم للطَّرب، وعادةً ما تكون امرأةً شديدة الثقة بنفسها (تْحُوشِي).
تعلُو الزغاريد والأهازيج من جهة، وسامرُ الرّجال من جهة، على مدى ثلاث ليالي، ويجتمع الرجال والشباب حتى من القرى المجاورة يأتون مشياً على الأقدام للمشاركة في السهرات، وبعض البدو والرعاة يأتون للمشاركة .
وهنا النصة نوعان:
الأولى: وهي الفاردة (القطار) وتتم بعد الخطوبة بزمن، ولا تبدأ النصّة إلا بعد استئذان أهل العروس، وعادة ما يختارون يوم الوجبة (الاثنين) لبدئها حتى يتم العرس يوم الخميس، فأهل القرية يتمتعون بذلك ويتفاءلون .
الثانية: هي أن ينُص والد العريس لابنه وهو لا زال صغيراً عند الختان أو بعده بمدة فلا بأس، تفاؤلاً بكبره وزواجه فيما بعد، فيُعلن والدُ العريس أنّه يحتفل بابنه الصغير (نصه)، ويرفع الأعلام وتزغرد النساء حتى إنّه يتلقى التهاني والهدايا (الواجبات) بالمناسبة، كلُّ ذلك والعريس يلهو مع الغلمان أو مستلقيًا في الفراش مختونًا، والعروس مجهولة وأهلها مجهولون؛ لأن ذلك مؤجل إلى قادم السنين، وهذا النوع من (النصّة) انتهى واندثر ولم يبق له أي شكل، ولوحظ أن الشاب الذي نُص له صغيراً يكتفي عند زواجه بالفاردة فقط باعتبار أنّ النصة قد تمت سابقاً.
ويُذكر أن أهل العريس يُعِدون جَريشَة القمح بالسمن البلدي، وتسمى (ارْشِيديَّة) توزَّع على الناس في الليلة الأولى للنصّة.
توقيت النصّة:
غالبًا توقيت النصّة في الأيام التي تقل فيها أعمال الفلاحة والزراعة والحليب، فكما علمنا فأهل القرية عمليّون ومعظم سنتهم في عمل وكدّ من حراث إلى رعي وتعشيب وخضّ اللبن وحصاد ودَرْس وقطف الزيتون ... الخ.
ولكن هناك أيام التّبن مثلاً عندما ينتهي كثير من الناس من الحصاد وينتظرون الدرس، أو ينتهون من الدرس وينتظرون قطاف الزيتون، أو أثناء قطاف الزيتون حيث يبدأ الليل يطول والناس متواجدون في البساتين.
في هذه الفترة تكثر أفراح الأعراس لأسباب ذكرنا منها توفُّر بعض الوقت، ودفء الجو واجتماع الناس في أماكن متقاربة بعد أن كانوا متفرقين في الجبال في بيوت الشعر وراء المراعي الخصبة لأغنامهــــم.
***
احتفالات ما قبل العُرس
النّصّة بِتكون قبل أكم يوم من نهار العرس، وكانت الناس تِبداها يوم الأحد ليلة الاثنين، وبِيجو أهل العُرس بِبدوا يِعزموا في الناس على العرس، أو بيكون منبّه الخوري في الصلاة للعرس، وبس يِعزمو بِقولو ليهم إنتو معزموين على النصّة والسهرة والإكليل وعلى الغدا، هذا عند العريس لأنه العروس ما بِعزموا على الغدا.
ونهار النصّة العصر بيجيبوا أهل العريس صندوق العروس بحُطّو فيه إشي حلو مشان العروس تحُطّ فيه أغراضها وأواعيها اللّي عند أهلها. وأهل العروس بسوّوا قِرفة وقهوة سادة ونقرشة، وكانوا زمان يضيّفوا دُخّان، وهذه الأغراض كمان يكون العريس جايبها، ويحطّو نقرشة في صحون، وبس يجن النسوان يباركن ويجيبن معهن واجب (إمّا رطل رز أو سكّر أو بيض)، وبتيجي أم العروس وهنّي مروّحات بتحُط ليهن في قطعة القماش اللّي فيها الواجب (نقرشة وحلو)، وكان اسم القماشة بقولوا إلها (فوطة). والأيام هاذي ما بعجب رطل رز ولا سكر، صارت شوالات أو مصاري لأنّه الحياة هذي صارت غالية، وبعدين بتظلّ النّسوان كل ليلة تِيجي وتِسهر، مو بسّ لما تبارِك وخَلَص وبتتظيَّف من كل شي. والحلو كانت الناس تحطّه على سدر إشي كثير، اليوم كل شي صار في حساب؛ لأنه الإشي صار غالي، والمرة الي بتروح مرَّة ما بتروح غيرها، وكانت النّسوان بِطِلْعن النهار وهِنِّه يغنّن، اليوم بجيبوا هالمُسجل ما بروح الواحد غير أذانُه مخزوقات وراسه وِدّو ينفجر.