بعد أن يأنس الشاب وأهله رضا من أهل الفتاة ( وأحيانًا قبل أن يتأكدوا من ذلك) يُحضرون الجاهة، فيلجؤون لأحد شيوخ ووجهاء القوم واحد أو اثنين أو أكثر، ويذهب معه والد العريس والعريس وإخوته إلى أهل العروس ويسلّمون عليهم ويستقبلهم أهل الفتاة، ويرحّبون بهم ثم تبدأ أحاديث المجادلة العامّة والأسئلة والتذكير بوشائج القربى والتحالفات القديمة والمُصاهرات السّابقة؛ فهذا أمُّه خالة أمّ فلان... وهكذا، وكلّ ذلك انتظارًا لتقديم فِنجان القَهوة السّادة.
بعد ذلك يأتي أحد الشبّان بالقَهوة السّادة ويصبُّها ويتقدّم من الضُّيوف باليمين أو الأكبر سنًّا، ولكنّهم (إن كانوا متقاربين أو كبارًا أكثر من واحد) يتعازمون فيما بينهم (شيمتهم بينهم) لتقديمها لفلان، ويأخذها الشيخ ويضعها أمامه ممتنعًا عن شُربها حتى يُلبّوا طلبهم، وهذا أسلوب للضّغط على أهل الفتاة إن كانوا متردّدين، أي أنّ قهوتهم غير مشروبة وضيافتهم غير مقبولة، ولا يهمّهم إكرام الضّيف ومُمالحة الناس وكبار القوم إن رضوا بأن يخرج الناس من بيتهم بدون شرب قهوتهم، هذا إن كانوا متردّدين في القبول أصلاً أو ممانعين، أما إذا كانوا موافقين فهذا الأسلوب يمنحهم التشجيع اللازم لإظهار ذلك، حيث إنّ ابنتهم غالية وهي حقاً غالية ولا (يعرضونها) هكذا إلا بطلب عشائر وجاهة وجهاء وشيوخ، مما يدلّ على مكانتهم ومكانة ابنتهم، ويدلّ على إصرار الشابّ وأهله على خطبة ابنتهم مهما كلفهم ذلك، وعندما يتمّ تقديم الفنجان أمام الشيخ يضعه أمامه ممتنعًا عن شربه ويبدأ بالحديث، وغالبًا ما تكون عبارات شائعة الاستعمال لمثل هذه المناسبة مثل: "جيناكم طلابين .... وبكرمكم طمعانين ... ولقربكم رايدين .... ولا تردونا خايبين .. الخ , جينا نطلب إيد بنتكم ( فلانة) لابننا (فلان) على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهنا يسود الصّمت برهة ثم تتجه الأنظار كلها إلى شيخ المعازيب الذي إن كان موافقًا أصلا يظهر البشاشة ويطلب خلوة عاجلة بالمعازيب خارج المجلس يشاورهم، ثم يدخل المْحَرَم ويشاور الزوجة ويُطلع المخطوبة على الأمر، وبعد أن يأخذ كل الموافقات يدخل إلى الضيوف ويرحب بهم ويقول الله يحيكم اشربوا قهوتكم واعتبروا جوابنا النهائي بعد أسبوع، وتكون تلك موافقة أولية والأسبوع هذا للسؤال إن كان غريبًا كما أسلفنا أو لإعطاء فرصة للاعتراض من الأقارب غير الموجودين وغالبًا ما تكون الموافقة النهائية بالإيجاب، أمّا إن كان الأقارب جميعًا قد علموا مسبقا والشاب معروف أو قريب أصلا فغالبا ما تكون الموافقة مباشرة، وعندها يقول شيخ المعازيب "أبشر ... مبروكة عليكم، إحنا متاجرين فيكم وفي الرجال، وبنتنا عندكم في الحفظ والصون ...", ويردّد شيخ الجاهة مع ترديد الحضور في الجاهة : "الله يكثر خيركم ويبارك فيكم والله انتو قدّها ... الخ " وهنا تعلو الزغاريد من المْحَرَم حيث تتنصّت النساء إن كانوا في نفس بيت الشعر، أو يذهب والد العروس أو أخوها إلى عريشة النساء ويبلغهن إن كنّ في عريشة عن بُعد .
وتعلو الزغاريد وربّما يتناول بعضهم بندقية ويطلق عددًا من العيارات النارية تعبيرًا عن الفرحة وإعلاناً بحصول الخبر السارّ، وكلّ هذا في حالة الموافقة في سابق الزمان، أمّا في حالة الرفض فيبدأ شيخ المعازيب بالترحيب بالجاهة الكريمة، ويعدد فضائل الرجال وبأنهم قوم لا يُرَدّون خائبين، ويترجّاهم أن يشربوا قهوتهم وأن يعمل لهم عشاء ، أمّا الموضوع الذي جاءوا به فهناك أسباب تحتّم عليهم التريُّث قبل خطوبة الفتاة؛ كأن يتحجّجوا بأنها صغيرة وجاهلة أو أي شيء آخر. وفي هذه الحالة تعود الجاهة بدون نتيجة، ولكنّ الشابّ يعاود استلطاف أهل الفتاة، ويبعث لهم من يرجوهم أو يحرجهم مرّات ومرّات حتى يظهر لهم أنه (مُستميت)، عندها فإمّا أن يوافقوا على مضض أو يُصرّوا على الرفض.