عندما كان العثمانيون يحاصرون العاصمة النمساوية (فينا) كان الصدر الأعظم قرة مصطفى باشا يجلس في خيمته الفخمة خارج أسوار المدينة التي جلبها معه لتكون استراحة، قبل أن يتعرض الجيش العثماني لهجوم من قوات التحالف الأوروبية بقيادة الملك البولندي الذي هزم العثمانيين وأخذ الخيام المزينة بالألوان الزاهية لنفسه.
وارتبطت الخيام التي خسرها العثمانيون في هذه المعركة بتاريخ طويل مع الغزاة والقادة والأمراء، وتعد تقليداً قديماً حمله الأتراك المهاجرون من وسط آسيا للإمبراطورية العثمانية في القرن الثالث عشر، إذ كان للبدو الأتراك الرحل -الذين استخدموا الخيام ثكنات عسكرية ومنازل متنقلة- دور كبير في المجتمع التركي القديم.
مدن الخيام
في وصف أدرنة في النصف الأول من القرن الخامس عشر بدت المدينة كأنها تنقسم لقسمين: أحدهما من مباني الحجر والطوب، والثاني من الخيام العثمانية المتنقلة التي تستخدم للاستراحة والسكن وتنتمي لتراث الأجداد.
وكتبت المؤرخة المختصة بالتاريخ العثماني (آمي سينغر) تصف المدينة التي كانت عاصمة الإمبراطورية العثمانية قبل فتح إسطنبول "يجب على المرء أن يضيف إمكانية إقامة معسكرات شبه دائمة على أطراف المدينة كجزء لا يتجزأ من مشهدها العمراني والمدني.. امتداد المدينة مصنوع من اللباد (نوع من القماش يصنع من ألياف الصوف) والجلود والنسيج، ومساجد المدينة والأسواق والمساكن الخشبية".
وبحسب الأكاديمية التركية (نورهان أتاسوي) كان مجمع الخيام الإمبراطوري العثماني بمثابة قصر متنقل متعدد الوظائف يستخدم في مناسبات مختلفة، واعتبرت الخيام المزخرفة والمطرزة والمنقوشة بشكل جميل بديلاً ممتعاً عن القصور الإمبراطورية.
ولم يتمكن الأتراك من الانفصال عن ثقافة الخيمة على الرغم من الانتقال إلى الحياة المدنية المستقرة، إذ كانت الأسر والقبائل التركية وسط آسيا تعيش حياة التنقل والترحال وتسكن الخيام الموسمية.
وفي عصر العثمانيين أصبحت الثقافة البدوية في آسيا الوسطى تقليدًا إمبراطوريًا، فوفقاً لبعض مؤرخي الفن تشير بنية قصر (توبكابي) إلى أنه تم تصميمه كنوع من مجمع الخيم الثابت من الحجر.
وكتب الرحالة الفرنسي (كورني لو بروين) يصف القصر العثماني الأكبر بأنه "نوع من المباني غير المتناظرة وغير المنتظمة التي تشبه الخيام في طبيعتها".
ولعبت الخيام دوراً رئيسياً في الثقافة التركية بدأت بإيواء البدو ورعاة الأغنام فيها، وإقامة الحفلات والولائم والاجتماعات والعروض الترفيهية المصاحبة لحفلات الزفاف وختان الأمراء وغيرها.
واستخدم العثمانيون الخيام لبناء مجمعات فخمة متنقلة أثناء الحملات العسكرية والبعثات الدبلوماسية ورحلات الصيد، كما تم استخدامها لمختلف الاحتفالات، جنباً إلى جنب مع استخدام الهياكل الفخمة الدائمة في إسطنبول، وتطورت مواد صناعة الخيام لتضم النسيج والخشب والحجر جنبًا إلى جنب، واعتبرت الخيام الكبيرة التي تحيط بها الأعلام رمزاً للقوة والمجد.
فن الخيمة
ويعرض المتحف العسكري بإسطنبول نموذجاً للخيام الإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر مستعرضاً فن النسيج المستخدم في الخيام، والهندسة المعمارية لما يسمى عصر "الباروك التركي" بحسب الباحثة في الفنون الإسلامية (أشلي ديمنج) التي كتبت عن "الخيام الإمبراطورية في العصر العثماني المتأخر".
وكان المخطط الزخرفي الأكثر شيوعًا في الخيام الكلاسيكية مبنيا بواسطة الأعمدة اللامعة التي تمتلئ أقواسها بزخارف لأزهار نباتية متعددة الألوان تشبه الزخارف المعمارية المعاصرة المستخدمة في السيراميك والمنسوجات الحديثة، بحسب (ديمنج).
وكانت الألوان محدودة نسبيًا، حيث كان معظم صانعي الخيام يستخدمون الأزرق الداكن والأخضر والأحمر، ومن الناحية الهيكلية كان النمط الكلاسيكي ذو المساحة البيضاوية الكبيرة والمغلقة هو الشكل الأكثر شيوعًا الذي تتخذه الخيام الإمبراطورية.
وتم استخدام هذا النموذج لأسباب عملية، حيث كان يتم استخدام الخيام في الغالب كبيوت سكنية أو غرف اجتماعات أثناء السفر، وكلاهما يتطلب درجة معينة من الخصوصية.
وعند نصب الخيمة في مروج الضواحي أو في حدائق القصر كانت المنطقة الداخلية من الخيمة بأكملها تضيء وتتألق في ضوء الشمس، ويتحرك القماش ويميل مع هبوب الرياح.
وبحلول أوائل القرن الثامن عشر، تم كسر القالب الكلاسيكي حيث انفتح هيكل الخيمة وأصبحت عناصره الزخرفية أكثر تنوعًا من خلال التجربة والابتكار في المواد والتقنية، إذ كان السلاطين في كثير من الأحيان في حالة حركة وفتح للأراضي، وكانت إقامتهم في الخيام تساعدهم على البقاء نشطين ومرئيين للجنود مع احتفاظهم بالوجاهة المطلوبة.
المصدر: مواقع إلكترونية.