رم- ناصر الشريدة
بعد غروب الشمس وراء التلال في لواء الكورة، يستغل الأردنيون إسقاط الأمثال الشعبية والتندر بها على الواقع الخدمي والاقتصادي الذي يعانون منه، وتعليقا على القرارات المورفينية التي تذاع هنا أو هناك، حيث يرددون «لا تحط فول قبل ما تحط بالعدول»، و«قبل ما تكشها اكسر إجرها» أو «لا تشرب إلا من راس النبع».
وتثير هذه الأمثال الشعبية بالذات المسؤولين، لدرجة أنها ترفع من نبرة صوتهم للسقف الأعلى، حين ترد على تطميناتهم لك بذكرها، حيث يرون فيها انتقاصا وإغلاقا لدورهم وهيبتهم، وانتقادا لأدائهم، وهذا لا يحب المسؤول سماعه على حد تعبير مواطنين.
ويقول عصمت الأحمد إن هذه الأمثال تقدم صورة لواقع خدمي على الأقل متعب ومترد، ولا يجد المواطن مناصا بالتنفيس عن ضيقه إلا باستخدامها، ويعتبرها السلاح القوي الوحيد بيده، الذي يمكن أن يمارسه وسط قوانين الجرائم الإلكترونية والمطبوعات والنشر والعقوبات.
ويرى المواطنون الذين يواجهون ظروفا اقتصادية صعبة، عودة الأمثال الشعبية بقوة إفرازات واحتقانات شعبية يراد منها تفريغ كم هائل من الشحنات السالبة، للحيلولة دون تشكل نوبات قلبية ودماغية مفاجئة لهم، تذهب بأبرياء إلى حتفهم دون أن يكون لهم يد فيما يعيشون.
الباحث الدكتور أحمد الشريدة يقول: الأمثال تعكس ثقافة الشعوب، وهي الأسرع انتشارا وشيوعا، وتنتقل من جيل إلى آخر بدون مقدمات، وتمثل حالة حية باطنها إنساني، وذاكرتها عبرة لمن يعتبر، بدليل جزالة ومتانة وعذوبة كلماتها القليلة، من هنا تجد المسؤول أو المتجبر أحيانا يهتز أمامها، ويدب الرعب بين أوصاله، ولا يرغب بسماعها، مشيرا إلى أن العرب صاغوا الأمثال وتفننوا بها بالتزامن مع وجود أسباب وأحداث فرضتها، فباتت علامة تشير إلى الحدث بعينه مهما اختلفت الأعوام.
وتقول ملهمة التراث شفيقه بني سلامة، إنها تحفظ الكثير من الأمثال المتوارثة عبر الأجيال دون نقص وزيادة وتحريف، وتتغنى بها في اللقاءات والاجتماعات والجلسات المتنوعة حتى يحفظها ويرددها الحضور، من باب أنها مرآة تعكس صورة الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وحسب المواطن زكريا بني ياسين، إن الأمثال الشعبية هذه الأيام طغت وتفوقت في زمن تكنولوجيا التواصل الرقمي، بعد أن أفلس واحتار المواطن في التعبير عما يدور بداخله بصراحة، إلا أن موطنها وانطلاقها لا زال يستحوذ عليه الريف الأردني، بسبب قوة العلاقات الاجتماعية وصلة الدم بينهم.
وربما تكون الأرقام المنشورة عن عدد الأمثال الشعبية منذ العصر الجاهلي، مرورا بكل العصور تقدر بالآلاف، وتم جمعها في مجلدات، لكن لا زالت غالبية الشعوب العربية لا تعرفها، حتى الذي ترجم إلى اللغات الغربية.
ويروي الشاب فادي ملحم حادثة صارت معه عن مثل: «لا تقول فول حتى تحط بالعدول»، أنه ذات يوم حاول تنفيذ مشروع خاص، وراجع المسؤولين مرارا وتكرارا، إلا أن النتيجة كانت سلبية، وأنه إذا مر على أقربائه وأصدقائه وقال لهم أن مشروعه كذا وكذا، هزوا برؤوسهم مبتسمين، حتى لم يكد يمضي يوم إلا تكلم على مشروعه، إلى أن جاء أحدهم وقال له، اسكت يا رجل لا تتكلم بمشروعك، لأنه عبارة عن كلام بالهواء، وقال: «لا تقول فول حتى تحط بالعدول»، ثم تعال واحكي.
وكانت الأمثال الشعبية ولا زالت ملكا موروثا تتناقله الأجيال للحفاظ على مخزون ثقافي وحضاري، رغم ما تعرضت له المجتمعات من هزات وكوارث وأحداث جسام، حتى أنها تنتشر بقوة وتتسارع كالنار في الهشيم وقت المصائب، وإذا تمعنت الأعوام الصعبة التي مرت على الأردنيين تجدها حبلى بالأمثال الشعبية الجديدة.
وختاما، هل تعيد الأمثال الشعبية للأردنيين صحوة الوعي والثقافة بموروث كلمات عذبة، تحمل في طياتها معانيا ومفاصل حياتية لا تدركها إلا النفس البشرية، وترفع الأرواح من حماستها، لتكون الأيام المقبلة أفرح وأجمل، أم غير ذلك، لننتظر؟!.