عمان - ياسر العبادي
عقدت مديرية ثقافة الكرك جلسة حوارية بعنوان «التراث والهوية الوطنية» للباحث التراثي الأديب نايف النوايسة، وذلك بالتعاون مع منتدى جماعة درب الحضارات، في قاعة الندوات بمركز الحسين الثقافي في الكرك، صباح يوم أمس الأول، بحضور مديرة الثقافة عروبة الشمايلة وعدد من ممثلي الهيئات الثقافية في المحافظة والناشطين والمهتمين في التراث الاردني.
وقالت مديرة ثقافة الكرك الشمايلة: نظرا لأهمية هذه الحوارات والتشبيك بين مختلف المؤسسات والهيئات الثقافية في اثراء المشهد الثقافي في المحافظة وتعزيز هويتنا الوطنية للحفاظ على إرثنا الحضاري والثقافي بالتعاون مع مختلف الهيئات الثقافية في المحافظة لإثراء المشهد الثقافي بتنوع الأفكار والرؤى من ذوي المعرفة والخبرات في مجال التراث.
وخلال الجلسة فتح الاديب النوايسة الباب على مصراعيه في موضوع اشكالية الثقافة في ثلاثة طروحات تتعلق «بالتراث والهوية والعولمة»، أولها سؤال يتعلق بالتراث، لافتا الى ما حظي به التراث في العالم العربي ومنه الاردن حيث بذلت جهود كبيرة لرصده وتدوينه وتصنيف الكتب والمؤلفات الخاصة به، إضافة لانشاء المتاحف الشعبية التي تحوي كافة اشكال التراث المادي وغير المادي مؤكدا، أهمية التراث في القضايا المصيرية للشعوب كالشعب الفلسطيني الذي يواجه حملة شرسة من قبل الاحتلال الصهيوني لطمس تراثه ومحو آثاره على الارض.
وعن سؤال الهوية قال النوايسة: انها ذات الفرد والمجتمع والدولة وفق عدده قيم ومعايير،تشمل المعارف الانسانية في المجالات المختلفة في اطار تناسقها مع العقل ونبذ التطرف والتعصب العرقي والطائفي، وقدرتها على التعبير عن الخصوصية الثقافية التاريخية لأمة ما بما يكتنف ذلك من نظرة هذه الامة لدورة الحياة (من الميلاد حتى الوفاة) والكون، وقال النوايسة ان هذا يعنى مجموعة التراكمات الثقافية والمعرفية سواء كانت متعلقة بالعادات والتقاليد أو بالدين أو بالفكر، وهي قابلة للتطور مثلما هي قابلة للانكماش كما أنها تتأثر بكل تأثيرات العرق والتاريخ والمكان والجنس والجنسية واللغة والدين.
كما جدد النوايسة دعوته إلى الجهات المعنية في إطار الحفاظ على التراث الوطني إلى التوسع في بناء متاحف تراثية في كافة محافظات المملكة لإحتضان كافة أنواع التراث الثقافي المادي وغير المادي وتوسيع دائرة توظيف الصناعات التراثية التي من شأنها الإسهام في زيادة الدخل الوطني، والعمل على تطوير السياحة التراثية بناء على مبدأ «أن أمة بلا ذاكرة تاريخية هي أمة غير موجودة»، فالهوية الثقافية لا تكتمل إلا بمرجعية الأمة والوطن والدولة، مؤكدا أن الدفاع عن هويتنا الثقافية يتطلب منا الدخول في عصر العلم والتكنولوجيا بصورة واثقة وعقلانية مع الحفاظ على الثوابت الأساسية في بناء الحضارة العربية الاسلامية.
وفيما يتعلق بقضية العولمة أشار النوايسة إلى أن هذه القضية التي باتت تشغل الكثير من المفكرين ويوليها العديد منهم اهتماما كبيرا في أبحاثهم ومتابعاتهم، فإن هذه العلاقة لا تنفك مطلقا ما بين التراث والهوية الوطنية مع العولمة وكل شيء في الحياة له ما يقابله في الاتجاه المعاكس أو الضد؛ فالعولمة هي السعي الدؤوب لسيطرة القوي على الضعيف اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ثم عسكريا وهي تختلف عن العالمية؛ فالعولمة هي إيديولوجيا تسعى لقهر العالم وإخضاعه لقوى لا ترحم، بدل الانفتاح على العالم وتوظيف الثقافات لبناء هويتنا الثقافية التي تتطلب الدخول العقلاني لعصر التكنولوجيا الإنسانية لا هدمها وتذويبها، كما أنه ليس هناك ثقافة عالمية واحدة وإنما ثقافات عديدة تتوزع هوياتها على ثلاثة مستويات (الفردية والجماعية والهوية الوطنية والقومية)، وفي المقابل تقف العولمة وجها لوجه أمام الهويات الثقافية باعتبارها ايديولوجيا مهيمنة على العالم وليس مرحلة تطور رأسمالي، ومن ثمارها المسمومة تكريس الانشطار في عالمنا العربي.