صدر للكاتب والمؤرّخ الدكتور محمد علي الصويركي كتابه التراثيّ (الحكمة الأردنيّة في الأمثال الشعبيّة في شمالي الأردن) وهو من جمعه وإعداده وتصنيفه، وشّح مطلعه بإهداء وجداني لروح والدته: "التي علّمتني الحكمة والصبر والعصاميّة، والتي طالما ردّدت على مسامعي الكثير من الأمثال الشعبيّة فأثّرت في نفسي وجعلتني أتمثّل بعضها في سفري الطويل"
وهذا المنتج يُعتبر من المصنفات الخاصة بالأمثال الشعبيّة الأردنيّة الشائعة في شمالي الأردن، جمعها الباحث خشية ضياعها واندثارها أمام صخب الحياة المعاصرة التي تتسم بالتعقيد والسرعة، وإهمال الموروث الثقافي، وتغوّل العولمة، وهي من المبررات التي أشار إليها في رشحات قلمه، وأضاف: " كما أنّ السلف القديم من الأجداد والآباء الذين يحفظون هذه الأمثال ويتداولونها بعفويّة باتوا قلّة قليلة، اختطفت المنون أكثرهم، أضف إلى ذلك تغير طريقة حياة الجيل الجديد المعروف بجيل الفيسبوك والانترنت والسكايب والتويتر، وعدم اكتراثهم بالأمثال الشعبيّة وتداولها في حياتهم اليومية."
ويمكن القول إنّ مصادر المثل الشعبي عادة ما تكون من مفرزات حكاية ما، أو نكتة شعبية، ومن الأمثال ما اقتُبس عن الفصحى بنصّه أو لحقه شيء من التغيير الطفيف، أو استُمدّ من كتب التراث الأدبي ومن الأغاني الشعبيّة، ومنه ما يكون عصارة تجارب وممارسات، أو معتقدات قديمة لمختلف الشعوب.
والأمثال الشعبيّة كما يضيء جوانبها صلاح عبدالصبور: "هي تعبر عن الفلكلور، وتنقل الفكر والاتجاه الشعبيّ للمجتمع تجاه الظواهر والممارسات الحياتيّة المختلفة، بما تحويه من معتقدات وأساليب شعبية؛ مما يجعلها جزءًا من ثقافة الشعوب وانعكاسًا للخفايا النفسيّة لها."
جاء الكتاب من 155 صفحة، من القطع المتوسط، رتُبت فيه الأمثال الشعبيّة بحسب الحروف الهجائيّة، واختار إلى جانب الأمثال العربيّة العديد من الأمثال الكرديّة والغربيّة والشرقيّة من قارة آسيا. كما أدرج مجموعة من المراجع المهمة في هذا المجال.
وهو منتج تراثي قيِّم، يشكِّل مرجعًا إضافيًّا للأمثال الشعبيّة بمختلف أشكالها ومحتوياتها ومدلولاتها الحياتيّة والفكريّة في شمالي الأردن؛ لتكون في متناول الباحثين والدارسين، تضيء الكثير من الجوانب الحياتيّة لسكان شمال الأردن، وتكشف عن مواقفهم من تفاصيل الحياة، وما يغور في الوجدان الجمعي على مدار الأيام من مواقف وأمان واستشراف.
للدكتورة عايدة النجار صدر كتاب سيري ممتع يسبر أغوار ذاكرة متشحة بالصور عن زمان المدرسة والطرق الموشحة بالحكايات، وقد حمل المنتج بطبعته الثانيّة عنوان:" بنات عمان أيام زمان". تكوّن من إهداء ومقدمة وأحد عشر فصلًا، وفهرس للأسماء ونبذة عن المؤلفة.
جاء في الإهداء الرقيق:" إلى عمّان الجديدة أمس، في الخمسينيات من القرن الماضي، المكان والإنسان، اللذين أصبحا عتيقين يحملان ذاكرة فيها عبق التاريخ." وقد أضافت في المقدمة تجلياتٍ تفتح آفاق الذاكرة على كنوز الطفولة: "للأمكنة منزلة خاصّة لدي، والمدرسة هي إحدى الأمكنة التي أحببتها منذ الطفولة كالبيت والوطن، ظلت صورتها ومكانها الجغرافي محفورة في الذاكرة بلون زهري جميل، يبعث على السعادة، ولا أذكر أنني خفت من البعد عن الأهل وأنا في صفوفها الأولى، محاطة بأسوارها ومعلماتها بشكل يدفعني أن أكرهها كما الكثيرون في الطفولة."
وتمضي هذه اللغة الرقيقة توشّح باقي الفصول متدفّقة ريّانة بمشاهد الطفولة الغنيّة بالتفاصيل والوجدانيات العفوية، دون خدوش أو تكلف، لتسبر أغوار النفس المتعاطفة مع المكان والزمان في تلك الفترات المتباعدة في ضباب الذاكرة المتيقظة، كأنّما هي سطور تسترجع ذاكرة المكان، المدرسة والطريق إليها في عمان في حقبة من العشرينيات، كما تستذكر علاقاتها مع ناس كُثر أثروا في تجربتها الحياتيّة والإبداعية؛ وبخاصّة زميلاتها في المدارس التي تلقّت فيها تعليمها، ويسرد الكتاب بشفافيّة العوامل النفسيّة والشخصيّة التي عاشتها المؤلفة وجيلها في الكثير من مراحل التغير الاجتماعي والسياسي.
تقول المؤلفة بنبرتها الهادئة: "أسترجع في كتابي هذا مع بنات المدرسة والمعلمات والأصدقاء أحداثًا وقصصًا وصورًا ذهنيّة لحياة حقيقيّة عشناها معًا، مع بعض الأحلام والطموحات، وإن كانت الأحداث منتقاة فهي تشكّل جزءًا من سيرة ذاتيّة وجدانيّة وجمعيّة، متقاطعة، وإن أخذت الطريق بعد التخرج بالاختلاف والتنوع، فهي تخلق حياة غير تلك الجديدة في المرحلة المميزة."
إن الدكتورة عايدة توثّق لسيرة مدينة، تعيد ترتيب الصور القديمة مرّة أخرى لتشكيل لوحات تتقاطع مع الحاضر، في وشاح من العبق الماضوي الجميل الذي يساعد على فهم أعمق لحياة باتت أكثر تعقيدًا، وهي من جانب آخر تؤرشف لفترات زمنيّة من حكايات وأقاصيص عمان القديمة في منتج يحوي الصور والألبومات الكاشفة لزوايا من العمر، في مدارج الصبا في مدينة عمان التي ما زالت معتّقة بالأصالة بالرغم من حداثة في أحيائها العصرية.
بدعم من وزارة الثقافة صدر للباحث حسين العطاري/ أبو علام كتاب حول الأغنيّة الشعبيّة الفلسطينية، وهو من الكتب التراثيّة المهمّة التي تؤرخ للأغنيّة الفلسطينيّة بشتى مكوناتها اللحنيّة والدلاليّة، من منطلق تصنيفاتها الجنسويّة والعمريّة، ومن حيث الموضوع والهدف، والشكل الفني والتسمية. وهي أغان ما زالت تُغنى بشتّى المدن الفلسطينيّة بقوالبها اللحنيّة المعتادة في
مختلف المناسبات والطقوس الاجتماعية؛ وذلك لأهميّتها الفنيّة باعتبارها فنًا قائمًا بذاته، إضافة إلى أهميتها الأدبيّة باعتبارها شعرًا له كل مقومات الشعر الصوتيّة والمعرفية، فضلًا عن فوائدها من حيث الترفيه والتسلية باعتبارها متنفسًا للعواطف والإحساسات لكلّ من المؤلّف والمغنّي والمستمع على حدّ سواء، ولها كذلك أهميتها الوطنيّة بكونها تدلل على تراث وطني مجيد يحرص أصحابه على المحافظة عليه، والتمسّك بالهويّة التراثيّة الفلسطينيّة ضد عوامل التهميش والنسيان والإقصاء؛ لتظلّ جزءًا مهمًّا من ثقافة الشعب الفلسطيني المقاوم والصامد، ومرآة صادقة تصوّر أماني هذا الشعب العظيم وتطلعاته وتقاليده وعاداته، كما تعين الباحثين على فهم سيكولوجيا المجتمع ووجدانياته؛ لأنّ في هذه الأغاني ملامح الشوق ونشدان الحياة بكلّ ألوانها، تدلّل بلا ريب على هذا الشعب المتماسك والمتمسك بجذوره العميقة في باطن الأرض التي اعتادت الحريّة والنصر على الظلم وأدوات البطش والمحو.
إنّها أغان متنوعة، تعبّر بصدق عما يختلج في ضمير هذا الشعب الفلسطيني من مشاعر وطموحات وتعزز التمسك بالهويّة والنضال، وبالحسّ الجماعي ونبذ الاختلاف، والانغماس في بوتقة الكلّ بدلًا من الفرديّة والجهويّة الضيّقة. وتظلّ نماذج فريدة على الأشواق الإنسانيّة والحب والتسامح والعودة إلى الأصول، والتغزل بالمرأة والأرض عندما تغدوان زهرة تجابه الريح بالبشر والخصوبة والنماء.
وهي نماذج من القوالب اللحنيّة العديدة، من العتابا والجفرا اللتين تحافظان على قيم أصيلة من خلال التكرار الموسيقي الجميل؛ لتوجيه الإنسان نحو الخير والوفاء والكرم والشهامة والتمسّك بالتراب الوطني رغم الجرح.
الكتاب جاء في 398 صفحة، من القطع الكبير، حوى كنوزًا تراثيّة للشعب الفلسطيني على مدار السنين في مجال الأغاني الشعبيّة بنصوصها اللغويّة الفاتنة التي تؤدّى في مناسبات عديدة، في الحج، شفاء المريض، النجاح في الامتحانات، عودة المسافر، الطهور، الختان، الاستسقاء، العقد والبناء، العمل والنتاج الزراعي، البكائيات، والكثير من المناسبات الأخرى.
ويظلّ هذا الكتاب نجمة في سماء التوثيق التراثيّ الجادّ، تنشدُّ إليها الأنظار للتمتع بضوئها الناعس الذي يفتح نوافذ أخرى للوجدان الموسيقي، لعلّها تخفف من حجم الألم، وتضيء آفاق الأحلام بالتحرر.