مارون كرم، شاعر سكن حناجر المطربين والمطربات، وسافر على أوتار عود الملحنين إلى العالم العربي، كتب أكثر من خمسة آلاف أغنية، غنّى له وديع الصافي مئة وخمسين أغنية.
مارون كرم، أصدر حتى وفاته عشرين ديوانا باللغة المحكية اللبنانية وقام خلال السنوات الأخيرة بجمع خمسة دواوين لم تنشر بعد.
أول ديوان له بعنوان (مروان وسلمى) العام 1954 وآخر ديوان (أحلا مرا) العام 2009.
مارون كرم عضو في جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى العالمية/ باريس، وعضو مؤسس لجمعية المؤلّفين والملحّنين في لبنان، ورئيس قسم البرامج التمثيلية المنوّعة في إذاعة بيروت التابعة لوزارة الإعلام منذ عام 1958 ولغاية 1990.
أشهر أغانيه، خضرا يا بلادي خضرا، واندق باب البيت ع السكيت، وما حدا بيعبي مطرحك بقلبي، وعرزالنا الأخضر، ورح طيّر حمام.
مارون كرم الذي رحل عنا يوم الأحد 29-8-2010 وكانت تربطني به صداقة تمتد ربع قرن، أجريت معه هذا اللقاء في بيته عام 2000، أنشره اليوم وفاء له.
- كيف وجدت نفسك تكتب الشعر؟
- منذ صغري وأنا أحبّ الشّعر وخاصّة الزجل الشعبي، وهذا أمر طبيعي فالطفل اللبناني يولد على سماع الأغنيات المختلفة، لكلّ مناسبة من مناسبات الضيعة أغنياتها، تعلمت قراءة الشعر ولم أفكر في كتابته إلى أن كانت حادثة غرام في حياتي، أحببت بنت الجيران لكنها تركتني وتزوجت خطيفة، غضبت عليها فكتبت لها قصيدة هجاء وأرسلتها إلى مجلة، الأدب الشعبي، حتى تقرأها فتاتي، ونشرت القصيدة بعد تعديلات كثيرة أجراها رئيس التحرير حتى أصبحت القصيدة وكأنها ليست لي، انتبهت الى أخطائي وشجعني رؤية اسمي في المجلة فأرسلت قصيدة ثانية أيضا جرى عليها تعديل وداومت على الكتابة والتعديل يقل شيئا فشيئا إلى أن نشرت لي قصيدة دون تعديل عرفت عندها إنني قد أصبحت متمكنا من كتابة الشعر ملتزما بالوزن والموسيقى، في هذه الفترة دخلت الجيش لمدة ثماني سنوات لم أكتب خلالها، لكنني بقيت متعلقًا بحب الشعر قراءة واستماعا، أنهيت خدمتي في الجيش وعدت إلى الضيعة التي استقبلتني بأغانيها ومواسم عطائها فأثارت في نفسي مارد الشعر، مرة أخرى كنت أحس أنّ الشعر يكبر معي ويلبي طموحي فأخذت بالكتابة.
- كيف بدأ مشوارك مع الأغنية؟
- لم أفكر مطلقا في كتابة الأغنية، وكان دخولي إلى عالم الأغنية عن طريق الصدفة؛ ففي أحد أيام عام 1959 وأنا أستعد لإخراج ديواني السادس "سلوى" ذهبت مع عائلتي لزيارة المطرب الكبير وديع الصافي، الذي تربطني فيه علاقة نسب؛ من أجل التهنئة بسلامة عودته من البرازيل، قال لي وديع سمعت انك تقول الشعر، اسمعني، فأسمعته قصيدتين أعجب بهما إعجابًا كبيرًا وقال هذا الشعر الذي يغنى والقصيدة الأولى يقول مطلعها :
لا انت راضي ولا انا راضي
ايام عم تركض على الفاضي
وبيجمدوا الكلمات ع شفافي
لمن عا بالي بيخطر الماضي
وتقول كلمات القصيدة الثانية:
عرزالنا الأخضر
البيموج بالعنبر
بعدو بها لجوزه
منصوب يا اسمر
قرر وديع الصافي أن يغني القصيدتين وكانت هذه البداية التي فتحت لي أوسع الأبواب لعالم الأغنية، فكتبت خلال عشر سنوات (1960-1970) أكثر من ألف أغنية لمعظم مطربي ومطربات لبنان وبلغ مجموع ما كتبت حتى الآن أكثر من خمسة آلاف أغنية غنى منها وديع الصافي ألفا وخمسمائة.
- هل كتبت أغنيات لألحان جاهزة؟
- لم أكتب مثل ذلك، القصيدة عندي يجب أن تكون معاشة وإذا لم تبدأ بذرتها في داخلي فأنا أرفضها وحين كان يطلب مني كتابة أغنية لفلم سينمائي فإنني لم أكن أتقيد بالحوار.
- هل كتبت أغنيات تندم عليها الآن؟
- نعم، هناك أكثر من خمسمائة أغنية أنا نادم على كتابتها وينحصر زمن كتابة هذه الأغنيات (1975- 1990) وهي السنوات العجاف في لبنان، كتبت ما كتبته لاستمر في العيش وبعدها أصحح مساري، خمسة عشر عاما خسرها لبنان من عمره في جميع مجالات الحياة، هذه الفترة كانت كافية لإطفاء جذوة عطاء العمالقة وأفسحت للأقزام كي يعتلوا منبر الغناء فأصبح لبنان جيل يسمع بقدميه ويرقص على نغم .. كلنا شاركنا في هذا الانهيار: الشاعر والملحن والمغني.
- لماذا لم تكتب بهذه المدّة ما أنت مقتنع به؟
- لأنه لم يكن له مكان على الساحة الفنية.
- كيف ترى الخروج من هذا الانهيار؟
- ليس الأمر سهلاً ومن الصعب جدًّا ضبط الأمور، ولابدّ من قرار أكبر من الأشخاص فالمطلوب؛ رقابة فنية متخصّصة على كل ما يذاع ويعرض في الإذاعة والتلفاز وهذه الرقابة مستحيلة .. تصور قديمًا كان في لبنان إذاعة واحدة ومن السهل جدًّا تشكيل لجنة انتقاد نصوص ورقابة ما يذاع، الآن في لبنان مائة وسبعون دار إذاعة وأربعون قناة بث تلفزيون كل ذلك على مساحة لا تتجاوز عشرة آلاف كيلو متر مربع، فكيف بالله عليك يمكن ضبط الأمور والخروج من هذا الانهيار .. أصبحت الإذاعات إعلانية، لقد دخلت بوابة الإعلان المسموع: من يدفع يسمع.
- كتبت لمعظم مطربي ومطربات لبنان، مع من وجدت نفسك؟
- مع وديع الصافي فقط، وأتمنى لو لم أكتب إلا له مع أنني احترم كل من غنى لي، لكن وديع استطاع أن يترجم ما أحس به، أروي لك هذه الحادثة: كان وديع الصافي يستعد للذهاب إلى مصر للمشاركة بمهرجانات فنية وقدمت أنا للملحن الكبير عفيف رضوان أغنية "اندق باب البيت ع السكيت" لتلحينها ليشارك بها وديع في مصر وبعد أسبوعين جاءني عفيف ليقول لي هذه الكلمات صعبة على التلحين فقال وديع: هات يا مارون الأغنية ودندن بها في تلك الليلة، وفي الصباح كان اللحن جاهزا، وهذه الأغنية كان لها صدى واسع في الأوساط الفنية في مصر والعالم العربي، حتى أن جمال عبد الناصر عندما سمع عن الأغنية طلب من السفارة اللبنانية إقامة حفل خاص وغنى فيه وديع أمام جمال عبد الناصر. وقد لفت انتباه الرئيس ما بالأغنية من حكاية درامية، وكان عبد الوهاب حاضراً فقال له فين الحكاية في الأغاني المصرية بعد ذلك كتب حسين السيد أغنية ساكن قصادي وبحبه.
- أسماء عاش معها وعرفها مارون:
- خليل روكز: المعلم الأمي الذي أعطى الكثير.
- ميشيل طعمة: الصديق الذي خسرته باكراً فقد رحل ولم يتجاوز الثلاثين.
- زكي ناصيف: ابو الفلكلور اللبناني، وأفضل من لحن الأغنية الشعبية.
- الرحابنة: دولة محصنة لها طعم خاص ونكهة خاصة.
- فيروز: رمز كبير يجب أن يبتعد الآخرون عن عمل تجارب عليه.
- عفيف رضوان: ملحن مهم، شارك في تقديم اللون اللبناني.
- نجاح سلام: تاريخها أبيض في الأغنية اللبنانية.
- صباح: أجادت في لبنان ومصر.
- نصري شمس الدين: أفضل من غنى الأغنية الشعبية، وشمس الأغنية اللبنانية.
- فيلمون وهبي: فنان متعدد المواهب وملحن كبير.
لماذا لم يكتب مارون القصيدة باللغة الفصحى؟
* حاولت الكتابة، لكنني لم أجد نفسي في هذا اللون من الكتابة.
- في لبنان تصنفون الشعراء إلى شاعر قصيدة وشاعر منبر، هل لك أن توضح ذلك؟
* الشعراء المنبريون هم شعراء الزجل اللبناني الذين تسمعهم ولا تقرؤهم أما شاعر القصيدة فأنت تقرؤه وتسمعه وهناك قرابة كبيرة بيننا وبينهم فالشعر شعر له نفس الوزن ونفس البحور.
- هل فكرت يوما أن تكون شاعرا منبريا؟
* أبدا، فصوتي لا يصلح للمسرح المنبري، أحب أن ألقي قصيدتي في أمسية محددة أمام جمهور خاص.
- رأيك في الأغنية اللبنانية الحالية؟
* لا تمثل الفن اللبناني، إنها غريبة عنا.
- هل قدمت أمسيات شعرية خارج لبنان؟
* أكثر من مرة وخاصة في الأمريكيتين، وأتمنى أن أشارك في مهرجانات ثقافية فنية مثل مهرجان جرش. (تمت دعوته وشارك في مهرجان جرش).