الدلالات الاعتقاديّة في الأمثال الشعبية في مصر
(محافظة الشرقيّة نموذجًا)
تقدمة: عبد الحكيم خليل
يمثل التراث الشعبي الروح الساريّة في عروق الشعب، وهي الجينات التي تنقل الصفات الوراثيّة من الآباء إلى الأبناء، وأوّل أشكال هذا التراث التي سنتوقف عندها في هذا البحث هو الأمثال الشعبيّة، لما لها من شهرة واسعة من حيث الاستخدام في حياتنا اليوميّة داخل إحدى المجتمعات الريفيّة المصريّة. والتي تمثل فيه الأمثال الشعبيّة من حيث الاستخدام طابعًا شعبيًا في شكلها العام، يؤدي بالضرورة إلى خلق تواصل روحي بين أفراد هذه المجتمعات؛ ما ينعكس بالضرورة على سلوكياتهم التي يتمّ التعبير من خلالها عن معتقدات شعبيّة كامنة في صدورهم.
ومن الصعوبة بمكان فهم الثقافة المصريّة سواء في جانبها الرسمي أو الشعبي بعيدًا عن درس متعمّق للدلالات الاعتقاديّة، وهو عصب الثقافة الشعبيّة في المجتمع المصري.
ومحور هذه الدراسة يبحث في الدلالات الاعتقاديّة داخل هذه الأمثال الشعبيّة المتضمّنة للمعتقدات الشعبيّة والدالة عليها؛ داخل بيئتها الثقافيّة والاجتماعيّة، وقد تميّز المجتمع المصري بقدرته على توظيف هذه الأمثال داخل ثقافته الشعبيّة بمضامينها الاعتقاديّة المختلفة التي تمثل صورة من صور التواصل من حيث التعديل بالحذف أو الإضافة داخل بعض هذه المعتقدات في حالة تخلي أفراد هذه المجتمعات عن استخدام بعض الأمثال الشعبيّة، أو ظهور الجديد منها، بوصفها أداة التواصل في اللغة اليوميّة المتداولة بينهم، تنعكس من خلالها تجاربها وخبراتها وعاداتها ومعتقداتها المستمدة من التراث الشعبي الأصيل لهذه المجتمعات. إذ إنه من الخطأ أن ننظر إلى الأمثال بوصفها شكلًا مجرّدًا من أشكال الفولكلور، أو مستندًا "أوتوغرافيا" خاصًّا بأحوال الشعوب، إنّما هي في الواقع عمل كلامي يدعو قوّة معينه إلى التحرك، وفي اعتقاد الذين يصدر عنهم هذا الكلام أنّه يؤدّي أقوى أنواع التأثير على مجرى الأمور، وعلى السلوك الإنساني([1]).
وتكمن أهميّة هذه الدراسة في:
1ـ الكشف عن أنواع المعتقدات الشعبيّة الموجودة داخل مجتمع الدراسة، ودلالتها الاعتقاديّة، وتحليل أغراض هذه الدلالات في عكسها أحيانًا أنواعًا من السلوكيات، أو إفراز أنماط من المفاهيم الاعتقادية، التي تزدهر فيها هذه الدلالات وتنميها؛ فالأمثال هي خير معبّر عن ثقافة المجتمع عاداته وتقاليده وقيمه ومعتقداته.
2ـ الكشف عن مدى ترابط النسيج الثقافي للمجتمع كنسق متكامل لا تنفصم عراه بعضه عن بعض لتمثل طبيعة المجتمع المصري وشخصيّته وهويّته الثقافيّة.
وسنحاول قراءة الأمثال وفرز دلالتها الاعتقاديّة من خلال المعنى الضمني الذي تحتويه هذه الأمثال، كما تقتضى طبيعة المنهجيّة العلميّة في تفسير الأمثال الشعبية، وقراءة ما بين سطور النص اللا معلن وهو ما يعرف بالمنهج الخفي للقراءة، أو المنهج التأويلي للرموز والتيمات المتفق عليها شعبيًا؛ كالنكات والإيحاءات والإيماءات... الخ.
وقد كثرت تعريفات المثل وتنوعت، لكنّها جميعًا لا تخرج عن أنّه "قول مأثور، تظهر بلاغته في إيجاز لفظه وإصابة معناه، قِيْلَ في مناسبة معينة، وأُخِذَ لِيُقَالَ في مِثْلِ تلك المناسبة"([2]).
فالأمثال الشعبيّة ليست مجرّد شكل من أشكال الفنون الشعبيّة حسب، وإنما هي أيضًا أقوال تعبّر عن المخزون الاعتقاديّ في نفوس قائليها، بما لها من قوة فاعلة ومؤثرة على مستوى قائلي المثل وسامعيه ومتداوليه. لتعبّر بذلك عن ملامح ثقافة شعبيّة بعينها ذات سمات ومعايير قد تتشابه مع غيرها من الثقافات، ولكنّها حتما تميّزها وتعطيها قدرًا من الخصوصيّة والتفرّد على المستوى الشّعبي داخل المجتمع الذي نشأت فيه.
أما المعتقدات الشعبيّة فهي: مجموعة من التصوّرات والأفكار الذهنيّة التي يؤمن أصحابها بصحّتها ولا يُقبل الشكّ فيها لدى المعتقدين بها. وهي إرث تناقله الأبناء عن الآباء والأجداد، فلازمهم مسيرة حياتهم، وما زال يشكّل في الوجدان الشعبي قدرًا مهمًّا من ثقافتهم نحو تلك الحياة التي يعيشون فيها داخل مجتمعاتهم.
ونقصد بالدلالة الاعتقاديّة: ذلك المغزى الدال على أحد أنواع المعتقدات الشعبيّة طبقًا للتصنيفات الواردة في هذا الشأن([3]).
وتتفق كلّ من الأمثال والمعتقدات الشعبيّة في عدد من الخصائص والسمات التي تخلق جسرًا من التفاعل المستمرّ بينهما بما يحمل المثل من الدلالات الاعتقاديّة بداخله هي:
- يشتق كلّ منهما بعض جوانب فلسفته من الدين.
- كلّ منهما له جذوره في أعماق الناس ويشكّل جزءًا مهمًّا من حياتهم اليوميّة وعنصرًا مؤثرًا في سلوكهم وتعاملاتهم وتصوّراتهم الحياتية.
- يحوي كل منهما قدرًا من القيم التي تؤمن بها الثقافة وتسعى إلى تثبيتها عبر الأجيال.
- المرونة: بمعني استمرار آليّة التعديل والصياغة فيهما، رغم اختلاف المجتمعات وتغير الأزمنة والأمكنة، بما يُعَبِّر بدقّة عن وجدان الشعب الذي أنتجهما.
- النسبيّة والتنوع: بالمعتقد الشعبي، أما المثل الشعبي في معناه فهو يلتزم بالثقافة التي خلق بداخلها وبالموقف الذي ألقي فيه، والهدف من استخدامه.
- مجهوليّة القائل للمثل الشعبي، والمصدر للمعتقد الشعبي، وبالتالي فلا يمكن نسبته إلى شخص بعينه، ولا حتى لشعب بعينه.
وقد دفعني هذا البحث إلى القيام باختيار مجموعة من الأمثال الشعبيّة، بغض النظر عن تصنيفات هذه الأمثال الشعبيّة وفقًا لمعايير سابقة، التي تتضح فيها الدلالات الاعتقاديّة بقدر يسمح بتناول هذه الدلالات من أبعادها المختلفة([4])، داخل إحدى محافظات الدلتا بالمجتمع المصري (محافظة الشرقيّة)، باعتبارها بيئة اجتماعيّة ذات خصوصيّة ثقافيّة تميزها عن المناطق الأخرى. ومن أهم أسباب اختيار مجتمع الدراسة ما يلي:
1ـ غالبًا ما يستشهد أفراد هذا المجتمع بالمثل، تبريرًا لسلوكهم، وبرهانًا على صحة مذهبهم.
2ـ تعد البيئة الزراعيّة في مجتمع الدراسة مكانًا خصبًا للمثل الشعبي، لاتّصاف أبنائها بفكر صافٍ، وإلهامٍ تميّز في الحفظ والنقل.
3ـ يمثل المثل في مجتمع الدراسة بخاصّة والمجتمع المصري بعامّة أحد أساليب التربية والتوجيه والإرشاد التي يعتمد عليها المجتمع في غرس القيم والأخلاق الحميدة والصفات النبيلة والطيّبة، مثل:"صبرك على نفسك ولا صبر الناس عليك".
4ـ دراسة المدلولات الاعتقاديّة للأمثال الشعبية، تعد مرآة صادقة للحياة الريفيّة إضافةً إلى بيان الحوادث والمناسبات التي كان المثل يقال فيها.
وتتمثل حدود الدراسة في الأمثال الشعبيّة المجموعة ميدانيًا ودلالاتها الاعتقاديّة وتحليلها باستخدام منهج تحليل المضمون وعينة هذه الأمثال قوامها (81) مثل.
وقد تم تصنيف أمثال عينة الدراسة على ضوء المعتقدات الشعبيّة المتضمنة للمثل الشعبي صراحة أو مجازًا كما يلي:
أولًا: الأوليـــاء: Parents
وتضم هذه المجموعة الأمثال التي تحمل معاني ودلالات اعتقاديّه تدور حول الأولياء والتصوّف بشكل عام ومنها:
1ـ كل شيخ وله طريقة:
يشير هذا المثل إلى تعدد الآراء بتعدد الشخصيات وثقافاتهم ومواقفهم التي يعتقدون فيها بصحتها وميلها إلى الصواب. كما يمثّل أحد الحقائق الخاصّة بتعدّد الطرق الصوفيّة وتعدّد مشايخها. وفيه محاولة لإحياء مبدأ التعدديّة تبعًا لمنهج وأسلوب الشيخ الداعي إلى طريقته. ويؤسس المثل لمفهوم التسامح وقبول الآخر، مهما اختلفت الرؤى وتعددت طرق الدعوة إليها.
2ـ اللي ملهوش شيخ الشيطان شيخه:
وهو يشير إلى قوّة الارتباط بشيخ له طريقته الخاصة به، وإلا خضع الإنسان بمفرده لأهوائه الشخصيّة التي يكون فيها شيطان الهوى غالب على شيطان النفس الإنسانية.
3ـ بعد ما راح المقبرة بقى سكّره:
أي: أصبح مرغوبًا فيه مثل السكر.
4ـ الشيخ البعيد سره باتع:
أي: صاحب الضريح البعيد سرّه مؤكد مقطوع به، والبعد: مسألة نسبية، فالبعيد بالنسبة إلى هؤلاء قريب لغيرهم، والقريب إليهم الذي يرغبون عنه بعيد عن غيرهم، فما الذي يجعل الضريح البعيد مرغوبًا أكثر من غيره ؟ إنه شوق القلب وحنينه الذي يساعد البعد في تولده. وهذا ما يعبرون عنه في مثل آخر يقول: "ابعد حبة ( بعض الشيء) تزيد محبّة". فتعلق القلب رغبة ورهبة ومحبة تجعل آمال وآلام الزائرين لا تمضي إلى أيّ ضريح بالمصادفة، ولكن شهرة الوليّ واختصاصه بالشفاعة، والبعد المكاني، لها تأثير كبير في قصد الزيارة؛ فالضريح الذي نتكبد إليه مشاق السفر يصبح أكثر جذبًا ورهبة من ذلك الضريح القريب المتاحة زيارته في أي وقت.
5ـ مولد وصاحبه غايب:
فعهد الموالد أنّها لا تنعقد إلاَّ لوليّ قد مات، فالمولد هو احتفال شعبي ديني بيوم ميلاد نبيّ أو ولىّ من أولياء الله، يقام تكريمًا له، بطابع محلي أو يتسع ليأخذ شكلًا ذا شهرة عالميّة ترتبط بشهرة صاحب الذكرى، ويحمل بداخله الملامح الثقافيّة الخاصّة بالمجتمع الذي يقام بداخله، وفي المثل إشارة إلى السلوكات المختلفة التي يقوم بها زوّار الموالد التي تحقق أهدافهم وتشبع رغباتهم المختلفة في ظل صاحب المولد الحاضر الغائب.
6ـ قلل من الندر وأوف:
أي أنه ليس الخير في كثرة النذور، إنما في الوفاء بها، ولا بكثرة الوعود، غنمـًا بتحقيقها وتنفيذها؛ فالندر يمثل علاقة نفعيّة تبادليّة بين الناذر والمنذور له من خلال التزام المنذور له بتحقيق أمنيات زائريه ومحبّيه وأتباعه، وعلى الجانب الآخر يلتزم الناذر بالوفاء بالنذر طالما تحققت له أمنياته التي نذر لها. وفي حالة مخالفة الناذر وعدم قيامه بنذره قد يلقى توبيخًا أو تواجهه مشكلات في حياته، ترجعها العقليّة الشعبيّة إلى عدم الوفاء بالنذور.
ثانيًا: الكائنات فوق الطبيعية:Objects above the natural
ونقصد بالكائنات فوق الطبيعيّة الكائنات غير الملموسة أو غير المحسوسة التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة، ويعتقد الناس بوجودها، وبتأثيرها على حياتهم، مما يجعلهم يتوسلون إلى القوى العليا للوقايّة من شرورها، عن طريق الصلاة، أو استرضائها من خلال تقديم الأضاحي والقرابين لها، أو من خلال التوسل إليها بالنذور والزيارة؛ لتحقيق أغراض من العمليات السحريّة التي يمارسها السحرة والمشعوذون، لإخضاع الناس لهم والسيطرة علي عقولهم باستخدام صيغ وطلسمات وتعاويذ سحريّة لاسترضاء القوى الشرّيرة الخفيّة.
والجنُّ من أهم هذه الكائنات ظهورًا في الأمثال الشعبيّة، ولها تأثير واضح على حياة الناس وسلوكياتهم بالخير أو بالشر؛ حيث يعتقد بعض الناس بوجود كائنات ميتافيزيقيّة تسمى بالجن، وأنّ لها قوى خارقة وباستطاعتها رؤيّة الناس، وإلحاق الأذى بهم، وأنّ أجسام الجنّ غير ماديّة وقادرة على التشكل بالشكل الذي تريده.
وقد يأتي مفهوم الجن في الأمثال الشعبيّة بتعبيرات مماثلة لمعنى الجن منها: العفريت، والشيطان، وإبليس وغيرها. ومن هذه الأمثلة:
1ـ زى الجنّي يشوفك ما تشوفه:
ويشير هذا المثل إلى الإنسان سريع الحركة والدهاء الذي يتلصّص على الناس، فهو يشبه الجني القادر على التخفّي وعدم الظهور للإنسان في صورته الحقيقيّة التي خُلِقَ عليها، بما يتفق وقول الله تعالي: )إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ(([5]). ولكن قد يراهم الناس في صور أخرى متجسّدين لها، وقد تكون رؤيتهم وهمًا للعقل في حالة الأعمال السحريّة.
2ـ حبسو المرا مع إبليس في كيس طلع إبليس منها يستغيث:
ويشير إلى مكانة المرأة في بعض المجتمعات التي تضع المرأة في مكانة متدنّية، فهي طبقًا للمعتقد الشعبي مصدر للمكائد والشرور، إذا ما أرادت النيل من رجل والكيد له ) خاصة: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ(([6]). وقد يغلب مكرها وكيدها مكر إبليس وتدبيره.
3ـ اللي يخاف من عفريت يطلع له:
وفيه حثّ على عدم الخوف من المجهول، فطالما تهيّأت نفوسهم لاستقبال مثل هذه المعتقدات المرتبطة بالجن والعفاريت؛ سواء عن طريق الحكايات الشعبيّة والقصص المتداولة شفاهة من الأجداد والجدات إلى أبنائهم وأحفادهم منذ الصغر، أو إلى تلك التي يتداولها الناس فيما بينهم، لتحفز حفيظتهم وذاكرتهم وتشغل حيزًا من فكرهم يجعلهم يخشون العفاريت أو الجن، عند السير ليلًا أو النوم في الأماكن المظلمة.
4ـ اللي يحضر العفريت يصرفه:
يضرب المثل للدلالة على عدم الدخول في أمور لا يعلم الإنسان سرها أو نهايتها نفعًا أو ضرًا. ومعروف في أذهان الناس أنّ من يقوم بمعالجة الناس من المعالجين الروحانيين لديهم القدرة على استقدام الجنّ أو العفريت والتعامل معه للنفع أو للضرّ بالناس، فهم أقدر على التعامل معهم وصرفهم وقتما يشاءون، وإذا عجز عن ذلك فقد يتعرض للضرر منهم.
5ـ عامل زى اللي راكبه عفريت:
يضرب المثل للشخص الذي يقوم بأفعال غير مبررة وغير مفهومة، مثل السرعة في الحديث أو في الحركة، أو التحدّث بأصوات عالية وغير مفهومة؛ هي من قبيل أفعال الجن وليس البشر. ويطلق عليهم فئة الملموسين أو الملبوسين من الجن.
ثالثًا: السحـــر: Magic
السحر ممارسة كونيّة موجودة منذ القدم، يقوم به ويمارسه ساحر من خلال استخدام طقوس وطلاسم وتعاويذ سحريّة يستعين بها لتحقيق أهداف غير مشروعة في العادة.
ومن الأمثلة الشعبيّة المتضمنة للاعتقاد بالسحر وأعماله، ما يأتي:
- 1. الزن ع الودان أَمرّ من السحر:
الزنّ: بمعنى الصوت وتكراره، والمراد به هنا تكرار الكلام. والأودان جمع وِدْن (بكسر فسكون): وهى الأذن وأَمرّ: أَشدَّ. يقال في أنّ مداومة الإغراء أشد تأثيرًا في المرء من السحر([7]). وهي صفة لصيقة بالنساء عندما يردن قضاء أمور خاصّة قد لا يوافق عليها أزواجهنّ مثلًا، فتقوم بالتكرار المستمر للطلب حتّى يتمّ تنفيذه لها. وعادة ما ترتبط هذه الأمور بأفعال غير مشروعة عبر عنها هذا المثل في معناه العام ارتباطًا بالسحر.
- 2. أكنس بيتك ورشه ما تدري مين يخشه:
الكنس ورش البيت بالماء هما من قبيل الأعمال المراد بها إبطال الأعمال السحريّة التي قد يقوم بها الآخرون لإيذاء جيرانهم وأصدقائهم لغرض ما، مع أن المثل يستخدم للحث على النظافة الدائمة للبيت تحسبا لمجيء ضيف مفاجئ.
- 3. لا منه ولا كفاية شرّه:
يشير إلى الرجل الحاسد الذي لا يكف عن إيذاء الآخرين بلسانه وبعينه الحاسدة، مع عدم جلب النفع من جانبه للآخرين.
- 4. العين فلقت الحجر نصين:
وقد ورد في السنة النبويّة ما يؤيّد ذلك المثل، عن أم سلمهرضي الله عنها، أنّ رسول الله r رأى جارية في بيتها في وجهها سفعة فقال: استرقوا لها فإن بها النظرة. وسفعة بمعنى نظرة من الجن. وهي صفة لصيقة بالشخص الحسود. وقريب منه ما يضرب لطرد الحسد: "عين الحسود فيها عود".
5ـ غيرة الجارولا حسده:
حيث يخشى من حسد الجار، وهو حسد شديد التأثير في المحسود. أما الغيرة فتأثيرها أقل بكثير من الحسد. فالغيرة دافع للنهوض والطموح بينما الحسد دافع للقتل أحيانًا كثيرة وللتخريب، وفي القرآن الكريم:)وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(([8]). وقد خصّص الجار بالخوف منه بالحسد لأنه عادة ما يكون مطلعًا بحكم القرابة المكانيّة من جاره على كلّ ما يدخل أو يخرج داخل منزل جاره. لذا فباعث الحسد يكون أشد عنده من الآخرين.
رابعًا: الطب الشعبي:Folk Medicine
يعتمد الطبّ الشعبي على تجارب الناس واستخداماتهم لعلاج بعض الأمراض التي تصيب أفراد الجماعة، وقد تتفق أو تختلف مع بعض أشكال الطب الحديث. وهو ما دفع الأفراد من كبار السنّ إلى صياغتها في أمثال شعبيّة تحمل حكمتهم طيلة الزمن إلى أجيال متعاقبة. ومن هذه الأمثال المتضمنة للطب الشعبي:
- 1. البيت اللي تدخلوا شمس ما يدخلهوش طبيب:
والمثل يدعو إلى الاستمتاع بالشمس والتماس الشفاء منها. فللشمس فائدة طبيّة تغني عن اللجوء إلى الطبيب، فالبيت الصحي والجيد هو البيت الذي يدخله الهواء وأشعة الشمس. ويقابله أيضًا: "الشمس والهوا تغنيك عن الطبيب والدوا".
- 2. الدفا عفا ولو في الصيف:
وذلك لإيمانهم وقناعتهم بالمحافظة على حرارة الجسم وعدم تعريضه للهواء، وخاصة في فصـل
الصيف، لاعتبار بَرْدِ الصيف أشد من بَرْدِ الشتاء، وهو ما عبر عنه المثل الشعبي القائل: "برد الصيف أحد من السيف". وهي صفة مناخيّة وتجربة حياتية.
- 3. اتغدى واتمدَّ.. واتعشى واتمشى:
وهي حكمة شائعة الاستخدام في أهميّة النوم أو التمدد بعد الظهيرة، وهي فترة القيلولة التي تزداد فيها حرارة الشمس الحارقة الضارّة، كما يفضّل الحركة عقب تناول طعام العشاء حتى لا يؤثر الطعام على أجهزة الجسم الداخليّة خوفًا من تخمة البدن.
- 4. كاسات الهوا بتشيل العلة من غير دوا:
ويقصد بكاسات الهواء هي عمليّة الحجامة أو التشطيب أو التشريط؛ الذي يقوم به الحاجم لمريض يعاني من مرض عضوي أو نفسي(روحي) ويسمى في هذه الحالة بالمحجوم. من خلال التخلص من الدم الفاسد الموجود في المكان الذي يشتكي منه المريض، مع قراءة بعض آيات القرآن الكريم. وهي تعتمد على مدى الاعتقاد لدى الحاجم والمحجوم في قدرة الحجامة على العلاج كأحد أنواع الطب الشعبي الذي ورد في السنة النبويّة المطهرة لقوله:"إن أمثل ما تداويتم به الحجامة"([9]).
- 5. العلة اللي ما تعرفش تداويها اكويها:
الأمراض علاجها الأعشاب أولًا ثم آخر دواء الكي، دون التثبت عما إذا كان الكي يعطي النتيجة المرجوّة، عملاً بهذا المثل. فالطبّ الشعبيّ وإن كان قائمًا على التجربة، لم يكن مستندًا على حقائق علمية، وكان مجرد وصفات بعضها بسيط والآخر مركب، تصيب حينا وتخطئ أحيانًا.
خامسًا: الأحـــلام: The Dreams
أعطى الإنسان للأحلام حيزًا واسعًا من تفكيره، وأولاها أهميّة كبيرة في حياته، وحاول تأويلها، وفك رموزها، باعتبارها صورة عاكسة لتلك الأحداث التي يواجهها الإنسان طيلة حياته اليوميّة من تجارب حياتيّة وخبرات دينيّة، بوصف الإنسان كائنًا متدينًا بفطرته، وإن اختلفت تجليات التدين، وتباينت التعبيرات الدينيّة في حياته، تبعًا لتنوع البشر واختلافهم.
والأحلام قد تحمل بداخلها دلالات اعتقاديه ، تفصح من خلال تأويلها وتفسيرها من أهل الخبرة والتخصص، عما يحيط بالإنسان من أمور غيبيّة في ماضيه أو حاضره أو في مستقبله. ويؤدي هذا الكشف إلى الخوف من المستقبل أو البعد عن الماضي، أو التواصل مع الحاضر على الدوام. ويأتي المثل الشعبي ليحمل دلالات ضمنيّة ذات مدلول اعتقادي يشير إلى الأحلام أو الرؤى المختلفة المؤثرة في الإنسان ومنها:
1ـ الجعان بيحلم بسوق العيش:
تعطى فكرة عن أنّ الأحلام تنبع أحيانًا من احتياجات الناس المختلفة.
2ـ خير اللهم اجعله خير:
عبارة تقال قال عقب رؤيّة حلم أو رؤيّة تزعج صاحبها، فيقول هذه العبارة أملًا في أن لا يصيبه الله بمكروه، كما تستخدم العبارة في بداية استعداد الإنسان لرواية خبر أو قصة علمها أو شاهدها أو سمعها لغيره من الناس.
سادسًا: الجسم الإنساني: the human body
تتعدد الأمثلة الشعبيّة التي تحمل دلالات اعتقاديه حول الجسم الإنساني لتشمل كافة أعضاء الجسم مثل أصابع اليد، واليد، والذراع، والفم، واللسان، والأنف، والوجه، والجبين، والرأس، والأذن، مرورًا بالبطن والمعدة، ثم جنب الإنسان، وأخيرًا القدمين. ونعرض بعضًا منها على النحو الآتي:
1ـ اطعم الفم تستحي العين:
يضرب المثل للتعبير عن مدى أهميّة الطعام الذي يقدم للضيف فيما يتبعه من واجبات مقدسة، تدفع بالضيف إلى التضحيّة في سبيل مضيفه الذي قدم له الطعام الذي يمده بأسباب الحياة. وبالتالي فأحد حقوق المضيف على ضيفه هو غض بصره عن حرمة من حرمات بيت مضيفه، وكف أذاه ولو كان هذا الضيف فاجرًا. كما يضرب المثل أيضًا في الجانب السلبي منه، على أن يُخْرِسَ الألسن عن التحدث بالحق أو الشهادة به بإعطاء الرشوة، والتي يراد من خلالها توطيد العلاقة مع الآخر وكسب ودّه.
2ـ لسانكحصانك إنصنتهصانكوإنهنتههانك:
يضرب المثل للحث على عدم التطاول على الآخرين بالسب أو بالشتم أو بالسخرية، لأن ذلك يؤدي إلى مردود سيّئ على الشخص، حيث يرد عليه الشتائم بأعنف منها. كما نجد الأثر الديني في هذا المثال لكونه ينهى عن كثرة الكلام و أغاليط اللسان.
3ـ المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين:
تعني وقوع القدر كما هو مقدّر. حيث يرى البعض أن كلّ شيء يحدث للإنسان، هو أمر مكتوب له، لابدّ أن يراه حقًا، وإنّ الله بسابق معرفته يعرف كلّ ما سوف يحدث للإنسان، ولكنه لا يدفعه إلى ذلك، ولا يرغمه عليه، وقد عبّر الشاعر عن ذلك عندما قال:
مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كانت منيتـه بأرض فليس يموت في أرض سواهـا
4ـ عشمتني بالحلق خرمت أنا وداني:
يستخدم هذا المثل من حيث الاعتقاد في صدق وعود أحد الأفراد أو صدق الاعتقاد فيما يطرح من أفكار وآراء، ولكن في نهاية الأمر يكتشف زيف وخداع أو مناورات حول تنفيذ ما كـان يعد به أو يقوله للآخرين.
5ـ عقلك في راسك تعرف خلاصك:
يضرب المثل عقب مشاورات وحوارات بين شخصين أو أكثر ينتهي إلى فشل أحدهما في إقناع الآخر برأيه، اعتقادًا من الطرف الآخر بصحة رأيه ومفهومه تجاه موضوع بعينه. كما يقال عندما يقوم الفرد بسلوك ما دون وعيٍ أو حكمة أو عقلانية.
سابعًا: الحيوان:The animal
يحتل الحيوان في الذاكرة الشعبيّة صورًا متنوعة، وخاصة الحيوانات الأليفة والتي يعيش معها الفلاح ويعرف طباعها وصفاتها، فاستخدمها بالتشبيه والمقارنة؛ إما ذمًا أو مدحًا أو توصيفًا لحالة معينة، أو شخص ما، ضمن علاقة تبادليّة بين صفات الإنسان والحيوان.
والحيوانات في سلوكها الفطري اليومي، وتصرفاتها الطبيعيّة قد تدفع الناس تحت تأثير حالاتهم النفسيّة والاجتماعيّة إلى تأويل تلك التصرفات بوصفا أحداثًا ستقع استنادًا إلى خلفيّة فكريّة طبعتها السنون في الذاكرة، وتناقلتها الأفكار التي لا تزال تتعلق ببعـض تلك المعتقدات؛ على الرغم من التقدم العلمي والانفتاح على العالم عبر وسائل الاتصال الحديثة، وإن تغيرت بعض تلك المعتقدات نتيجة تلك التغيرات في المجتمع المعاصر. ومنها:
- 1. الغزالةالشاطرةبتغزلبرجلحمار:
يقال في حسن التدبير، وإنجاز العمل بأبسط الإمكانات المتاحة.
- 2. الديكالفصيحفيالبيضةبيصيح:
وهو كناية عن الذكاء الطبيعي الفطري، حيث يقال في حالة قيام طفل صغير السن بسلوك ابتكاري مميز، أو الإجابة على أسئلة تفوق قدرته العقليّة وعمره الزمني. أو يكون منتبهًا وفطنًا إلى الأحداث التي تجري من حوله ويستجيب مباشرة إلى المثيرات الحياتيّة بسرعة([10]).
- 3. خدي السبع ولو داسك ولا تاخدي الندل ولو باسك:
يقال للحث على اختيار ذات الحسب والنسب دون النظر إلى جمالها. كما يشير إلى الرجل الصحيح وابن الأصل حتى لو قسا على المرأة أحيانًا، لكنه لا يظلمها ولا يخذلها عند اللزوم. أما النذل حتى لو دلّل المرأة أحيانًا، فإنه يتخلى عنها عند الشدة ويتركها لشأنها.
- 4. القرد في عين أمه غزال:
يقال عندما يريد الإنسان الإعلاء من قيمة ما لديه من خصوصيات عند التعبير عنها أو وصفها للآخرين. كما يراد به جانب الدفاع من الأم عن أبنائها في حالة توجيه لوم أو نقض لأحد منهم، حتى وإن كان كريهًا أو مذموم المنظر، فيكون في نظر أمه جميلًا كالغزال. كما يقال هذا المثل أيضًا لمن يدافع عن أخيه أو قريبه أو صديقه ويمتدحه، مهما كان مخطئًا.
- 5. إذا وقعت البقرة كترت سكاكينها:
يشبهه الناس بالحيوان الكبير عندما يهم صاحبه بذبحه، أو في حالة إصابته بداء ليس له دواء، فعلى صاحبه في هذه الحالة أن يهم بذبحه حتى لا يخسره حيًا وميتًا. ويضرب هذا المثل عن تجرؤ الناس على شخص ألمّت به ضائقة، أو أعطاه الزمن ظهره. فانقلب حاله إلى الضدّ، فكل منهم يقول فيه كلمة سوء. وربما كانوا يخافون أن يفعلوا ذلك وهو في قوته. وفي الحديث نهي عن ذلك:"ارحموا عزيز قوم ذل"..الحديث.
ثامنًا: النبـــات:The Plants
يرتبط النبات منذ الوهلة الأولى بدلالات اعتقاديه تنتمي إلى عالم الغيبيات والميتافيزيقا في الماضي، وفي العصر الحالي وبتتابع الرسالات السماويّة تبني الإنسان مفاهيم اعتقاديه نابعة من تلك المسلمات الدينيّة النابعة من الدين، ومن ثم كان الفلاح المزارع شديد النزعة الدينيّة وخاصة فيما يرتبط بالمصدر الرئيسي لحياته وحياة ماشيته التي تعينه على هذه الحياة. ومن ثم كانت الأمثلة الشعبيّة المرتبطة بالنبات ذات دلالات اعتقاديه في العقل الجمعي لدى الجماعة الشعبيّة في المجتمع الريفي. ومن هذه الأمثلة المترددة داخل مجتمع الدراسة ما يلي:
1ـ يصوم يصوم ويفطر على بصله:
عقب الصبر الشاق لم ينل ثمرة صبره، ولم ينل ما يسره.
2ـ الشجرة اللي ماتضللش على صاحبها قطعها أصلح:
يضرب المثل للإشارة إلى أهميّة الحصول على المنفعة من الشيء الذي اجتهد فيه الإنسان للحصول عليه، وقد يضرب المثل كدعوة للترابط والتماسك داخل العائلة أو الأسرة الواحدة حتى لا تنفصم عراها ويشد بعضها أزر بعض.
3ـ لا طال بلح الشام ولا عنب اليمن:
يضرب المثل لمن تكون شخصيته غير مستقرة، وآراؤه غير قاطعة وحازمة، حتى ينقضي الأمر أمامه وينفض، دون حصوله على منفعة حقيقيّة منه.
4ـ إن دبل الورد ريحته فيه:
يقال عن الشخص الذي شاخ في العمر، ولا تزال له مواهبه وهيبته وكرامته. وفيه دلالة على أهميّة احترام الكبير في السن، والرجوع إليه وإلى خبراته التي لا تنفد.
5ـ من جد وجد ومن زرع حصد:
وهى حكمة عربيّة صارت تضرب مضرب الأمثال على لسان العامة. ولأن الشعب المصري شعب زراعي منذ القدم فقد تواكبت أمثال العمل مع البيئة الزراعيّة ولكنها تجاوزت في مضمونها الخاص بـ(الزراعي) إلى العام(العمل) ككل. وهو مثل يبدو فيه استلهام القرآن )فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(([11]).
تاسعًا: الأحجار والمعادن:Stones and metals
عرف المصريون أهميّة الأحجار والمعادن في حياتهم العامة والخاصة، واستخدموها في حياتهم بأشكال متنوعة، تحمل معها دلالات اعتقاديّة نابعة من الثقافة الشعبيّة داخل المجتمع؛ فهناك مجوهرات تصمّم من الأحجار الكريمة، وهناك تمائم صنعت من الفضّة والزجاج الأبيض والأزرق تحمل بداخلها دلالات سحرية، وهناك مجوهرات تصنع من الخرز التي قد ترتديها النساء بغرض كفّ العين الحاسدة عن الحسد، وغير ذلك من الأحجار والمعادن المتضمنة لمعتقدات شعبيّة مختلفة. ألحقت بها الجماعة أو ببعضها أمثلة شعبيّة تستخدم في الحياة اليومية. منها:
1ـ الحجر الداير لابد من لطه:
يضرب المثل ليفيد حقيقة مطلقة وهي أنّ الذي يقوم بعمل ما يريد أن يخفيه عن الناس، فلا بد من إتيان الوقت الذي ينكشف فيه هذا العمل سواء كان خيرًا أو شرًا. ويقابل هذا المثل القائل: "امشي عدل يحتار عدوك فيك".
2ـ البيضة ماتكسرش الحجر:
وهي نصيحة لمن يتحدي من هو أقوى منه، فالضعيف لا يستطيع أن يغالب من هو أقوى منه.
3ـ التعليم في الصغر كالنقش علي الحجر:
أي أنه أكثر ثباتًا، بعكس التعليم في الكبر؛ فالأطفال مستعدون للتعلّم أكثر من الكبار، وذاكرتهم لا تزال بكرًا، تتسع لمعلومات أكثر. بعكس الكبار الذين تكون ذاكراتهم محشوة بكثير من المشاكل و المشغوليات والأخبار، وقد لا يستقر فيها تعليم جديد.
4ـ دبلة في الحيط.. ولا بقرة في الغيط:
يقصد بالدبلة في هذا المثل الحلقة الحديديّة التي تربط فيها الماشية، وهو ما يقابل المثل القائل: "عصفور في اليد خير من عشرة ع الشجر". إشارة إلى سرعة البدء في أمر ما حتى وإن كانت البدايّة صغيرة كالدبلة التي يتبعها امتلاك الكثير في الدنيا. وتقوم الحلي بدور مهم في مراسم الزواج وهى تعد جزء من المهر وتعتبر دبلة الخطوبة دليلًا عن الارتباط بين الفتى والفتاة.
5ـ زى الجنيه الذهبينسي الهم والتعب:
لأنّ الشيء الغالي الثمن يستحق هذا التعب من أجل الحصول عليه، ليس بسبب ثمنه ولكن بسبب جودته، وهو يماثل المثل القائل:"الغالي تمنه فيه".
عاشرًا: الأماكن والاتجاهات: Places and directions
تحتل الأماكن والاتجاهات في مضمونها قداسة اعتقاديه خاصة الروحيّة منها، فهناك أماكن ذات قداسة دينيّة كالبيت الحرام والمسجد النبوي والقدس الشريف، وأخرى اعتقاديه كأضرحة الأولياء وبعض الآبار وعيون الماء التي ترتبط بحكايات شعبيّة تشير إلى قداستها مثل ماء زمزم، وغيرها من الأماكن والاتجاهات ذات المرجعيّة الدينيّة المقدسة. وقد يمارس حولها مجموعة من الشعائر والطقوس الدينيّة المتنوّعة.
كما توجد أماكن واتجاهات ذات دلالات اعتقاديه شعبيّة مصدرها التجربة الإنسانيّة للإفراد والجماعات، تمكّن الإنسان من صياغتها في أمثال تحمل حكمته، فيما يعتقد تجاه مكان أو اتجاه ذي أثر في حياته الاجتماعيّة بعامة. ومن هذه الأمثلة:
1ـ الرفيق قبل الطريق و الجار قبل الدار:
الحثّ على اختيار الرفيق في طريق الحياة، قبل اختيار الطريق نفسه، وقد يراد بالرفيق في الحياة الزوجيّة أو العمل وغير ذلك. كما يحثّ المثل على اختيار الجار قبل اختيار البيت، فالنبي وصى بالجار إلى أربعين دار.
2ـ بيت السبع ميخلاش من العظام:
كناية عن الاستطاعة والقدرة على الفعل والإنجاز والملكيّة والتصرّف، ويظهر المكان جليًا في المثل الشعبي بوصفه بوتقة للتفاعل، وقد يظهر بوصه نوعًا من البطولة في تلخيصه لموقف ما.
3ـ لو مشالكش المكان تشيلك عنينا:
يضرب المثل للتعبير عن الكرم الزائد حتى ولو كان ذلك في عدم مقدرة هذا الإنسان، وهو مستقى من الآيّة الكريمة:)وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ(([12]).
4ـ في طلعة البدر من ذا يبصر الشهبا:
أي أنّ النجوم والكواكب الصغيرة لا يمكن أن يراها الناس، حينما يبدو نور البدر واضحًا في السماء.
5ـ يَتشرّق يَتغرّب:
وهو يشير إلى أهميّة تحديد أمور بعينها، إما إيجابًا أو سلبًا، كما قد يضرب المثل لطلب تحديد الاتجاه الذي سوف يسير فيه الإنسان في وقت بعينه.
حادي عشر: الألــوان: The Colors
لقد وجدت الألوان منذ القدم. وقد فطن الإنسان للتأثير الضمني لها، لكونها تبعث على الشعور بالراحة النفسيّة عند التعرض مثلًا إلى اللون الأصفر أو الأخضر، بينما يبتعدون عن اللون الأحمر؛ لاعتقادهم بأنّه لون يبعث على القلق والتوتر، كما إنهم يعدّون الألوان الأساسيّة ذات علاقة خاصّة بأنظمة مختلفة داخل الجسم وهي تفعل فعلها منذ الطفولة المبكرة. وللألوان في المعتقد الشعبي دلالات اعتقاديه يمكن التعرف عليها من خلال التعرض للأمثلة الشعبيّة المتضمنة لها.
1ـ القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود:
يضرب المثل لاتّقاء شرّ الأيّام، والذي يعبّر عنه استخدام اللون الأسود في المثل، فالمثل يحث الإنسان على الحيطة والحذر في حياته.
2ـ ما لقيوش في الورد عيب قالوا له أحمر الخدين:
فاللون الأحمر هو باعث على الشعور بالخجل، والذي يرتبط ضمنيًا بالبنت البكر. والمثل يشير هنا إلى الإنسان الذي يبحث عن دقائق الناس وعيوبهم، دون النظر إلى عيوبه الشخصيّة. وقد ورد الحديث بمعناه، قال رسول الله:"يبصر أحدكم القـذاة في عين أخيه وينسى الجذل أو الجذع في عين نفسه"([13]).
ثاني عشر: الأعـــداد:The Numbers
لعبت الأعداد دورًا بارزًا في حياة الإنسان، فعقد عليها كثيرًا من آماله، وبنى عليها العديد من أحكامه، حيث شكّل العدد أحد أبعاد التراث الشعبي، وذلك لما تتمتع به الأعداد من ظلال نفسيّة تتعدّى قيمتها الحقيقية، ومصدر هذه المكانة والقدسيّة متنوعة، فقد تكون مجرد مصادفة وقد يكون السبب ورودها في نصوص شرعيّة بشكل لافت للنظر.
والجدير بالذكر أنّ العدد ذاته قد تكون له دلالة إيجابيّة عند بعض الناس أو في بعض المناطق، في حين تكون للعدد ذاته دلالة سلبيّة في مناطق أخرى. وسنورد فيما يلي بعضها:
1ـ العمر واحد والرب واحد:
ويضرب المثل عند مواجهة أخطار تهدّد حياة الإنسان عليه أن يواجهها ولا مفر منها. وفيه إشارة إلى الشجاعة والإقدام في مواجهة الأمور الحاسمة.
2ـ المتجوز اثنين واقع بين نارين:
ولفظة (نارين) تشير إلى عدم استطاعة الزوج إرضاء الزوجتين بشكل دائم. وقد ينهي عن هذا الفعل بترديد الحديث:"لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".
3ـ التالتة تابتة:
إشارة إلى ختام تجربة في عمل ما، أو نهاية إعطاء الفرص في خوض تجربة بعينها.
4ـ العِرق يمد لسابع جد:
وهو يحث على البحث عن الأصول وخاصّة عند الزواج، وقد ورد المثل بمعناه في الحديث:
5ـ من عاشر القوم أربعين يوم صار منهم:
يكفي أربعون يومًا ليتطبّع الإنسان بخلق من عاش معهم. فيتعرف على صفاتهم وعاداتهم، فلا يخطئ في الحكم عليهم، بل قد يتصف بصفاتهم ويتطبع بطباعهم.
ثالث عشر: الأنطولوجيا: Ontology
أي دراسة طبيعة الحقيقة، وتتعلق بالبحث في الوجود والكون والحياة والإنسان، ومن المرادفات الشائعة للانطولوجيا الميتافيزيقا ما وراء الطبيعة، والإلهيات، والغيبيات. وهو ما تتضمنه هذه الأمثلة من دلالات اعتقاديّة كما يلي:
1ـ اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب:
على أن يكون ذلك بحكمة مع عدم الإسراف، فيفتقر الإنسان ولا يأتيه ما في الغيب.
2ـ ربنا عرفوه بالعقل:
فالعقل يبرهن على وجود الله. ولكن معرفة ما يختص بالله، يحتاج أيضًا إلى الإيمان، وإلى الوحي. كذلك في معرفة الله، نضيف معرفة الروح إلى معرفة العقل. فالروح لها مستوى أعلى. فالأمر فقط بحاجة لقليل من التفكير والتأمل من العاقل فيتوصل إلى ربه.
3ـ بين الطلقة والطلقة بتتغير الخلقة:
إنّ تحديد جنس المولود قد يتغيّر بحسب إرادة الله ربّ العالمين، أي يمكن أن تقلب البنت إلى صبي والصبي إلى بنت، حتى لا تصاب المرأة بالحزن على شيء تجهله.
رابع عشر: الــروح: The Spirit
تحفل الذهنيّة الشعبيّة بأمثال عديدة عن الموت وعالمه باعتباره البدايّة الفعليّة لعالم الأرواح والاعتقاد حولها , فمنها ما يستمد جذوره من الماضي ومنها ما هو مستحدث.
حيث يحتلّ الموت حيزًا كبيرًا في الذاكرة الشعبيّة كهاجس تعاني منه النفس البشريّة، وقدر لا بدّ منه لكلّ مخلوق حي، لا يعرف متى وأين سيموت. والنظرة الشعبيّة للموت تغلب عليها المواقف والصبغة الدينيّة المستقاة من القرآن الكريم والأحاديث النبويّة الشريفة، وما تبقّى من الصور والمفاهيم قد تحمل كثيرًا من السخريّة والفكاهة. إلى جانب ما يدخل في باب التشاؤم، ومنها ما يدخل ضمن دائرة الأحاسيس الإنسانيّة، وبعضها يدخل ضمن دائرة التصورات الميتافيزيقيّة، الدينيّة وغير الدينية:
1ـ الروح طوّافة:
يعتقد المصريين القدماء بأنّ ثمة قرينًا يولد مع الإنسان، ويصاحبه أينما ذهب ويتحرّك ويرعاه ويحفظه، كانوا يسمونه(كا) وهذا القرين ما هو إلا روح الإنسان وظلّه أو خياله الذي يخشى أن يفقده. فإذا مات الإنسان سبقه قرينه إلى أخراه يتولاه فيها كما تولاه في دنياه([14]). والروح في المعتقد الشعبي تطوف في حياة الإنسان أثناء اليقظة والمنام على حد سواء، فالروح تهيم في ملكوت الله كما في المعتقد الشعبي الصوفي. أما عند موت الإنسان فتتحرّر الرّوح وتنطلق لتطوف مشارق الأرض ومغاربها غير مقيدة بقيود الزمان والمكان.
2ـ احمل الجثة ولا تحمل الروح:
عند موت الإنسان، يحمله أهله إلى قبره بعد أن تفارق الروح الجسد، وتصعد إلى خالقها، تبارك وتعالى، ثم تعود إلي الجسد بعد أن يوضع في قبره كما يعتقد كثير من الناس.
3ـ إيه حال عليلكم ؟.. قالوا: قوينا مات:
وهو إشارة قاطعة إلى قدرة الحق سبحانه وتعالى في فعل ما يشاء فهو:" فعال لما يريد". ويضرب المثل للسؤال بطبيعة الحال عن المريض عند زيارته أو عند طلب الزيارة له، فتكون المفاجئة هو موت الشخص السليم، الذي لم يشتك المرض، والمريض مازال المريض يشكو من مرضه الذي يُظنّ أنّه مرض الموت.
4ـ اذكروا محاسن موتاكم:
لا تزال العقليّة الشعبيّة تحفظ للإنسان كرامته في حياته وبعد مماته، ويضرب المثل للحثّ على ذكر الميت بما يحبّ وبما له أو فيه من خصال حميدة كانت بين الناس، حتى ولو كانت تشوبه بعض الشوائب. فعلى الراغب في ذكر الميت أن ينسى الإساءة ويعفو، ويذكر الميت ويحسن إليه عند ذكره، لعلّ ذلك يكون سببًا في راحته في حياته الآخرة.
5ـ تعددت الأسباب والموت واحد:
الموت حقيقة ثابتة منذ بدء الخليقة، ففي الكتاب الكريم:" كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ". ولكن تختلف الأسباب الظاهرة بين الناس لقدوم الموت للإنسان. فقد جبل الإنسان على طلب معرفة السبب والبحث عن الأسباب غير الظاهرة لحدوث أمر من الأمور. وفي السنة:"إذا أراد الله قضاء أمر هيأ له أسبابه".
خامس عشر: الطهارة و النجاسة:Purity and impurity
نشأت المعتقدات الشعبيّة المرتبطة بالطهارة والنجاسة من خلال اهتمام الإنسان بتنقية نفسه وعلاقته بمعبوده وخالقه وهو ما يعرف بالطهارة الداخليّة والخارجيّة على حد سواء. حيث تحمل الطهارة في مجملها معنى"القداسة"، بينما رفض الإنسان في معتقداته كل ما يمثل حائلًا بينه وبين خالقه، فالحرام هو ما كان ممنوعًا، والمانع من انتهاك حرمته طهارته، وعليه لا يجوز للمرء أن يمسّ الأشياء المقدسة مثلًا، أو يدنو منها إلاّ في حالة طهر تام([15])، وهو في الوقت ذاته ما يجعله قريبًا من عدوه اللدود إبليس مصدر النجاسة، ومحبًا لها في كافة أشكالها، وتحاول هذه الأمثلة الإفصـاح عنه بما تحمله من دلالات اعتقاديه متضمنة لها:
1ـ النظافة من الإيمان و الوساخة من الشيطان:
وهو يأتي مصداقًا للحديث النبوي:"النظافة من الإيمان"..الحديث. حيث يأمر الدين الحنيف الإنسان أن يكون نظيفًا طاهرًا على الدوام، أما عكس النظافة فهي صفة غير مرغوب فيها.
2ـ الجرح الخبس..ليه الدوا النجس:
والخبس صحتها الخبث، و خبث الشيء أي صار فاسدًا رديئًا مكروهًا، والجمع خبائث، وفي التنزيل "وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ"([16])، وفيه أيضًا " إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ"([17]). ويضرب المثل للدلالة على وجود أنواع من الناس لا يتمّ مداوتها إلا من جنس عملها، فالدواء من جنس العمل.
3ـ الصابونة في ايد والوساخة في ايد:
ويضرب المثل لاستحالة جمع الإنسان بين ضدين في وقت واحد، وإلاَّ أصبح ذا وجهين، أشبه ما يكون بالمنافق الذي يظهر للناس بوجه، وإذا ما اختلى بنفسه ظهر بوجه آخر.
4ـ من برّه هلاَّ هلاَّ ومن جوّه يعلم الله:
حيث يكون الظاهر مخالف للباطن، ويماثله:"من بره رخام ومن جوه سخام".
5ـ الإيد البطالة نجسه:
للحث على أهميّة العمل لإعمار الحياة، ونبذ البطالة التي تؤدي إلى كل ما هو سيئ ومرفوض من المجتمع.
سادس عشر: التفاؤل والتشاؤم:Optimism and Pessimism
الفلسفة القدريّة في أمثالنا الشعبيّة أو فلسفة الحظ والنصيب والقدر المكتوب في اللوح المحفوظ تبدو حقيقة ثابتة في مجتمعنا، ويظهر تأييدها والتعاطف معها من أصغر حدث يمرّ به إنسان إلى أكبر حدث. والملاحظ أنّ هذه الفلسفة القدريّة كثيرًا ما تكون مبعثًا للإحباط، وعدم تقدير العمل وأداة لنشر التواكل وروح اللا مسؤولية. هذه المفردة الفلسفيّة والقناعة الراسخة في الذهن الشعبي، نجدها في حالات وظواهر إنسانيّة مجتمعيّة كثيرة تجلوها وتفصح عنها الأمثال الشعبيّة الآتية:
1ـ خَدِ الشر وراح:
إذا انكسر القدح أو الكوب أو الجرّة أو أيّ شيء، فيعتقد أنّه ثمة سوء كان سيلحق بالمنـزل لكنه بكسر هذا الشيء فقد تم افتداؤه به. كما أنّه لدى زيارة شخص عزيز على القلب أو إياب الشخص إلى منزله بعد غياب فيقومون احتفالًا بذلك بكسر كاسة على باب منزله للترحيب به ودفع السوء عنه بعد مجيئه. وهو عكس المثل القائل:"دلق القهوة خير".
2ـ عامل زى غراب البين:
في المعتقد الشعبي يعد الناس الغراب طائر شؤم نظرًا لصوته وشكله، فجاء وصفه في المثل الشعبي لدى وصف شخص مكروه، وما إن يشاهده أحد من العامة حتى يستعيذ بالله خوفًا من مصيبة قادمة، خصوصًا إذا نعب ذلك الغراب أمامه. فإذا سمعت ربة البيت غرابًا أو بومًا ينعب في فضاء دارها تناولت سكينتين من المطبخ وضربت إحداهما بالأخرى حتى يتوارى بعيدًا. وفي المثل إشارة إلى نكران المعروف.
3ـ كل تأخيره وفيها خيرة:
يقال المثل في حالة قضاء المرء لحاجاته بتأن وتروّ، ونتيجة لذلك تكون الغاية التي يصبو لها أفضل من المتوقع. ويقابله:"في التأني السلامة وفي العجلة الندامة". وفي الحديث:"التأني من الله والعجلة من الشيطان". وكلّ ما يأتي من الله فهو خير.
4ـ خدو فالكم من عيالكم:
فالكم تعنى: فألكم. وهو مثل يقال عند التفاؤل أو التشاؤم بتصرفات بعض الأطفال، وهذه عادة التطير القديمة. ويماثله:"خذ فالها من أطفالها" و "خذ علومها من وسومها".
5ـ ولادة البناته شماته:
يضرب المثل للكشف عن موقف مجتمع الدراسة من ولادة البنات، وتبرز الآثار المختلفة التي تترتب علي كثرة إنجابهن، وهي تكشف عن العوامل الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة وراء كل هذا. ففي المجتمع الزراعي يحرص على إنجاب الذكور ليكون عونًا ودافعًا وامتدادًا لذكرى والده في الحياة، وإن كانت تغيرت هذه النظرة بتغير درجات الوعي الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بشكل عام. لذلك ظهرت مجموعة أخرى من الأمثال تناقض مثل هذه الأفكار، في إطار أمثال تحمل دلالات اعتقاديه قد أصابها بعض التغيير بحكم العامل الزمني والتحولات الاجتماعيّة والثقافيّة التي حدثت داخل المجتمع الزراعي بشكل خاص. فتحاول أن تصف البنت وأمها بحجج مقابلة لا تلغي الحجج الأولى، ولكنها تبرر ما للبنت من قيمة في الحياة. كما في المثال التالي:"اللي يسعدها زمنها تجيب بناتها قبل صبيانها". تعبيرًا عن سعادة الأم في تحمل ابنتها النهوض بأعباء البيت كقيمة نفعيّة للأم.
سابع عشر: الزمــن: The Time
يمثّل الزمن في المعتقد الشعبي بعدًا اعتقاديًا، يرتبط في العقليّة الشعبيّة بالأسطـورة والرمز، والدلالات المرتبطة بالأحداث، سواء الحقيقيّة منها أو المتعلقة بالخيال الشعبي، ورؤيّة الإنسان تجاه أحداث بعينها، مرتبطة بزمن يحيط به المرئي واللا مرئي، المعقول واللامعقول، الحضور والغياب، الإجلال والغبطة، المقدّس والمدنّس، إلى غير ذلك من دلالات اعتقاديه ترتبط بعامل الزمن في العقليّة الشعبية.
وقد صاغ هذا الإنسان أمثلة تحمل كلّ هذه الدلالات الاعتقاديّة أو بعضًا منها، ارتباطًا بالزمن، فيما يعبّر من خلالها عن علاقته النابعة من التجربة، لتمثل حكمة الشعب، التي تنتقل لأجيال متعاقبة للاستفادة منها وتفادي العثرات، التي تدفع بالجماعة الشعبيّة إلى الحياة بشكل أفضل.
1ـ إذا فاتك البدريشمر واجري:
وهو دعوة للتبكير في العمل، والخروج في أوّل النهار لقضاء الحاجات والأعمال.
2ـ دعوة وليه ساعة عصرية:
الوليّة يقصد بها: المرأة التي قد تصل عندما تهب للدعاء على من ظلمها إلى درجة الولاية والقرب إلى الله، والعصرية: تعني عند صلاة العصر وقبل الغروب. ويضرب المثل للتعبير عن الظلم الذي قد يقع على الناس في حياتهم، والذي يدفع البعض حسب اعتقادهم إلى تخير ساعة بعينها أو وقت بعينه يدعو فيه المظلوم على ظالمه. وفي الحديث:" ثلاث لا ترد دعواهم: دعوة المظلوم ... يرفعها الله فوق السماء السابعة ويقسم الله تبارك وتعالى فيقول: "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".
3ـ بكرة يهل رجب ونشوف العجب:
رجب شهر البركات والثواب، ولكن المثل لا يقصد الشهر بذاته إنما يعتبره مقياسًا للزمن والمستقبل، واستخدم لتوافقه مع القافية ومعناه: سيأتي العام القادم وترى ما سيحدث من أمور هامة.
4ـ زى ليالي الشتاء طويلة وباردة:
يقال هذا المثل للتجارب الصعبة التي تستمر زمنًا. أو لمعاملات البعض التي تقسو وتطول وتستمر.
5ـ امشي سَنَا ولا تخطي قنا:
أي سنة، وقناة.. يقال هذا المثل في الحث علي البعد عن الأخطار، ولو أدى الأمر أن يتكلف الإنسان مزيدًا من الوقت أو الجهد. أي أسلك في الطريق الآمن ولو كان طويلًا. فلا تختصره بأن تعبر قناة قد تغرق فيها.
ثامن عشر: أوائل الأشياء وأواخرها:Things early and late
لكل شيء أول وآخر، ولكل منهما صفات ترتبط به، تجعل الناس تعتقد في نفعه أو في ضرّه، حسبما تؤول إليه الأمور. وقد جرت العادة أن أوائل الأشياء يكون معروفًا ومحكمًا، بينما أواخر الأشياء تعتمد بالضرورة على المجرّب نفسه من خلال الاحتكاك المباشر أو التجربة بين النجاح والفشل. ومن هنا نبعت المعتقدات الشعبيّة حول أوائل الأشياء وأواخرها ارتباطًا بتجاربهم وخبراتهم نحوها، وتمّت صياغتها في بعض الأمثلة الشعبيّة الدالة على ذلك:
1ـ اللي أوله شرط آخره نور:
يقال في حالات التأكيد على الالتزام بالشروط والعهود، وأن الرجل لا يخل بما التزم به مهما كانت النتائج.
2ـ الزواج أوله عسل ووسطه كسل وآخرهبصل:
ويلخص المثل تجربة شعبية قد لا تكون حقيقية، وقد يأتي من باب السخرية.
خلاصة:
كشفت الدراسة عن تلك البوتقة الثقافيّة التي تتفاعل فيها عناصرها غير الماديّة بين السلوك الشعبي المتمثل في المعتقدات الشعبيّة، وبين المأثورات القوليّة المتمثلة في الأمثال الشعبيّة المختزلة بها التجارب الشعبية، وما تحمله من أفكار خاصة، استطاع أصحابها صياغة هذه الممارسات الشعبيّة والسلوك الشعبي التلقائي بها. ليتم صب هذه المعتقدات في مَثَلْ يُعَبِرُ عنها ويختزلها.
فالأمثال بما تكتنفه من دلالات ومعان هي صورة من صور اللغة المنعكسة من تفاعل الإنسان في بيئته؛ ولها القدرة على اكتساب دلالات جديدة، وبناء هذه الدلالات تراكميًّا؛ فالألفاظ تعيش مع الناس، تنتقل من جيل لآخر، وبانتقالها تكتسب دلالات اجتماعيّة نحو معتقدات شعبيّة بعينها يتعارف الناس عليها، يتسع مدلولها أو يضيق ويتخصص طبقًا لحاجة أفراد المجتمع إليه.
كما يزيد الإيمان بصدقيّة الأمثال الشعبيّة في منطقة البحث بين فئات العجائز والنساء، وما يتصل بالثقافة الشعبيّة السائدة في حياتهم اليومية بخاصّة، على حين ينظر الشباب الذكور إلى مثل هذه الأمثال الشعبيّة بكثير من اللامبالاة من حيث الاستخدام اليومي الشائع لها على ألسنة العوام والمثقفين منهم، مع اعترافهم بأنها كثيرًا ما تعبر عن أحوال مجتمعاتهم.
وقد حملت هذه الأمثال كافة الدلالات الدينيّة والاجتماعية؛ مما أعطاها حق الحياة والاستمراريّة والتجدّد منذ قرون عديدة مضت وحتى زماننا هذا.
وحسبي من دراستي هذه أن أقدّم مخططًا أوليًا لإقامة جسر ثقافي بين المعتقدات الشعبيّة وبين علوم التراث الشعبي التي لا تنفصل عراها، لعلّه يكون محفّزًا لبحث مستقبلي إذا سنحت الفرصة وأسعفت الهمة.
الإحالات:
1 يوسف حداد، المجتمع والتراث في فلسطين ـ قريّة البصة ـ منشورات منظمة التحرير الفلسطينية، ط1، 1985م، ص207.
2 محمد الراوي، موسوعة الأمثال الشعبيّة والعاميّة في الوطن العربي، دار أسامة للنشر والتوزيع، الأردن ـ عمان، ط1، ص5.
3 أنظر تصنيف المعتقدات الشعبية: محمد الجوهري وآخرون، مقدمة في دراسة التراث الشعبي، القاهرة، 2008م، ص27.
4 مع الأخذ في الاعتبار، وجود بعض الأمثال الشعبيّة التي تحمل للوهلة الأولى أكثر من دلالة اعتقاديه ترتبط بأحد أقسام المعتقدات الشعبية، إلا أننا سوف نرصد تلك الدلالة شديدة الوضوح ارتباطا بمعتقد بعينه.
5 سورة الأعراف، الآيّة (27).
6 سورة يوسف، الآيّة (28).
7 أحمد تيمور، الأمثال العامية، الطبعة الرابعة، 1406هـ ـ 1986م.
8 سورة الفلق، الآيّة (5).
9 رواه البخاري ومسلم.
10 وقد يضرب المثل للإشارة إلى علامات الولايّة عند الأولياء بهدف ترسيخ المعتقدات حولهم وبين صفوف أتباعهم ومريديهم.
11 المرجع السابق نفسه، ص 15.
12 سورة الحشر، الآيّة (9).
13 قال أبو عبيد: الجذل الخشبة العاليّة الكبيرة. رواه البخاري.
14 ثروت عكاشة ، تاريخ الفن، الفن المصري، القاهرة ، دار المعارف، 1971م، ص199.
15 يوسف شلحت، نحو نظريّة جديدة في علم الاجتماع الديني، الفارابي، بيروت، 2003م، ص51 ـ 52.
19 سورة الأعراف، الآيّة (157).
20 سورة التوبة، الآيّة (28).