الزّمان : في سبعينيات القرن العشرين وحتّى أوائل الثمانينيات، عندما كان مسرح اللعب عند الطفل فضاءً كبيرًا يمتلئ بالتراب وكثير من الأسلاك من مخلّفات البناء، وفوقه سماوات زرقاء، وكانت الالكترونيات المتوفرة تقتصر على جهاز تلفاز بالأبيض والأسود يبدأ بثه بعد السادسة مساء.
في ذلك الزمان، كان الصغير يصنع لعبته ويزيّنها ويفخر بها، خبرته متناقلة من أترابه في الحيّ الذين يكبرونه بأشهر أو أعوام قليلة، حيث صيف طويل لاهب ونهار ساطع وثلّة من أولاد بمجموعات إما ثنائية أو ثلاثية يتحلّقون حول أدوات صنع اللعبة.
أمّا المكان، فحوش البيت، إن كان يتّسع، ولم يحتلّه حبل الغسيل بملابس الأسرة المغسولة يدويًّا. وإن تعذّر ذلك فالزقاق الذي يؤدّي إلى مدخل البيت كاف لتحقيق حلم الطفولة.
وأمّا الصّانع، فطفل بين العاشرة والخامسة عشرة من العمر، تحترف أصابعه صنع حلمه الخاصّ وترجمته إلى سيارة.
وأمّا الأدوات، فأسلاك تسمّى أسلاك (لفّ)، مطواعة سهلة التّشكيل مصنوعة من الحديد، وأسلاك أكثر صلابة قد تكون من الألمنيوم، وعلب أطعمة فارغة مثل علب التّونة وعلب الحليب الصغيرة، تستخدم لصناعة دواليب السيارة. وكمّاشة تساعد على طيّ السّلك وتطويعه بالشّكل المراد. وأكياس نايلون تُلفُّ على هيكل السيارة بعد صنعها لتجميلها. وقد يستخدم بعض الأطفال عجل ( البيلية ) وهو عجل معدنيّ صغير يسهّل حركة السّيارة.
وأمّا طريقة الصّنع، فإنّ الطفل يقوم بتشكيل الأسلاك الحديديّة(اللفة) على شكل هيكل السّيارة المطلوبة: تاكسي أو باص أو شاحنة.
يلفّ الطّفل سلكًا صلبًا حول علب حليب من أجل صنع عجلات للسّيارة وعددها أربعة. وقد يقوم باستخدام العلبة نفسها (عجل ) وبين كلّ علبتين يوصل سلك صلب ليكون محورًا يساعد على تحريكها.. وبعض الأطفال يستخدم عجلًا اسمه عجل بيليا جاهز وكان متوفرّا في تلك الأيام.
ولكي يستطيع الطّفل تسيير هذه السّيارة يقوم بجلب سيخ حديد صلب ويشكّل من أحد طرفيه دائرة مغلقة تشبه المقود. ويثبّت طرفه الآخر بهيكل السيارة في مقدمتها.
وأخيرا يقوم الطفل بلفّ أكياس نايلون حول الأسلاك من أجل تزيين السيارة وإعطائها شكلاً خاصًّا.
صناعة سيارات السّلك لعبة تكاد تنقرض لعدم الاهتمام بها، حتّى أنّ أطفال الجيل الحالي لا يعرفون عن هذه اللعبة شيئًا، علمًا بأنّها لعبة مسلّية، ومثيرة للتفكير العملي، والابتكار.
ولا بدّ من مبادرات تقوم بها المدارس، والمؤسسات القائمة على تربية الطّفل لإحياء هذه اللعبة الجميلة، ولا نعدم مثل هذه المبادرات، ومنها قيام مركز الأميرة سلّمى للطّفولة بتنفيذ ورشة صناعة سيارات السلك العام 2012، وشارك فيها عدد من أطفال محافظة الزرقاء، ومن المبادرات الأخرى مبادرة ذكرى التي اهتمّت بالتعاون مع شركة نُقل للسيارات بتنفيذ ورشة عمل لأطفال عمّان لتعليمهم صناعة سيّارات السّلك، وقد استعانت مبادرة ذكرى بأطفال غور المزرعة لتعليمهم هذه المهارة، ثمّ يعودون لنقلها مرة أخرى إلى الأطفال.
وبحسب موقع ذكرى (ىسيارات الأسلاك التراثية في غور المزرعة على فيس بوك) فإنّ هذه اللعبة صديقة للبيئة؛ حيث يتمّ جمعها من مخلفات البيئة مثل الأسلاك والعلب، كما أنّها تعكس مهارة فردية عالية جدًّا، وقدرة على التّصميم الفنّي لدى هؤلاء الأطفال، ولنا أن نتصوّر فرحة الطفل بشيء صنعه بيده!!!
* كاتبة وباحثة أردنية