من قصص الأمثال والكنايات الشعبية حسن ناجي

 

 

حسن ناجي

 

إذا كان التّراث الشعبي بمفهومه الواسع، وفنونه المختلفة يكوّن صورة صادقة عن المجتمع الذي أبدعه، فإنّ جزءًا من التّراث الذي هو مجال بحثنا، الحكاية والأسطورة واللعبة، والمثل، يمثّـل هو أيضًا صورة وإن لم تكن كاملة فإنها واضحة وصادقة. وكلّ جزء من التّراث الشّعبيّ وإن يكن في عالمه الخاصّ منفصل بذاته، منفرد بلونه وإبداعه، فإنّه متّصل أحيانًا، ومتداخل أحيانًا أخرى مع بقية الفنون التي يشكّل معها الصورة الكليّة للتّراث الشّعبيّ، لأنّ الإبداع الإنسانيّ الذي اتّـحد جذرًا قد اتّـحد سنابل.

إنّ موضوعنا في هذه المقالة الدّراسة موروث قوليّ، وقبل أن نتحدّث عن مفهوم هذه الفنون الأربعة، لا بدّ من الإشارة إلى ما يقوله فاروق خورشيد، حول مفهوم النص الشعبيّ بعامّة" "إنّ أيّ نصّ أدبيّ يصلح أن يكون نصًّا شعبيًّا إذا ما اختارته الجماهير وتبنته، ثمّ حمّـله كُتـّابها وفنّانوها نبض الإنسان من مرحلة إلى مرحلة، ومن عصر إلى عصر"(1) 

المثل الشعبي:  علاقته بالحكاية

إنّ ارتباط المثل الشعبيّ بحكاية معينّة أو بأشخاص معيّنين، أو بأسطورة ما  ظاهرة طبيعيّة لميلاد المثل نفسه، فهو قد يسكن الحكاية، كما يسكن الأسطورة، وقد يكون إفرازًا للحدث.

  إن جولة في المصادر العربية ترفدنا بحكايات، وأساطير عربية، أصبح المثل مفتاحها والدال عليها، ونلاحظ عند تتبّع منشأ هذه الأمثال، سرعة البديهة عند قائل المثل في مضمون الحكاية، كما أنّنا ندرك مدى ذكاء وفلسفة من ينطق بالمثل من خلال أسطورة، مع قوة في المنطق، واختصار الموقف في كلمات قليلة.

دعتني دراستي للأمثال الشعبية، واهتمامي في تتّبع أصولها، إلى تتبع الحكاية، والأسطورة، واللعبة الشعبيّة التي أفرزت أمثالًا شعبيّة، وبعد اطلاعي على آلاف الأمثال الشعبية المنسوبة إلى أقطار عربية مختلفة استطعت الخروج بالأمثال ذات العلاقة بالموضوع الذي أردت، وسوف أقدّم تاليًا طائفة من هذه الأمثال والأقوال المحمّلة بقصصها:

 

1 – على قد لحافك مد إجريك(2) 

     وحكاية هذا المثل تقول، إنّ أحد الملوك طلب من وزيره لحافًا، طوله متر، وعرضه متر، واشترط عليه أن لا يتجاوز هذا المقاس، وأن يكون كافيًا لتغطية جسمه كلّه، ثم هدده بالقتل إذا هو لم يحقّق له هذا الطلب، وتحيّر الوزير في كيفيّة تحقيق هذا المطلب الذي بدا له مستحيلًا ، فذهب وجلس في مقهى يتدبّر أمره، وأبصره رجل فلاح كان يجلس بالقرب منه، فلفتت انتباهه ملامح الحيرة والحزن البادي على وجهه، فقام من مكانه، واقترب منه سائلًا عن سبب حزنه، أخبره الوزير طلب الملك الذي أصابه بكل هذه الحيرة والحزن، عند ذلك هــدّأ الرجل الفلّاح من روعه، وأخبره أنّه قادر على تحقيق مطلبه بشرط أن يمنحه مائة جنيه، فسلم الوزير في الحال المائة جنيه للرجل، وذهب الرجل إلى المنجّد، وطلب منه أن يصنع له لحافًا وفقًا للمواصفات التي حدّدها الملك، وفي اليوم المحدد أخذ اللحاف وذهب به إلى الوزير، ثم طلب منه أن يرافقه إلى الملك، أمسك الملك باللحاف وقاسه فكان كما طلبه، عند ذاك نام الملك وطلب من الوزير أن يغطّيه باللحاف، ففعل الوزير كما أمر الملك، وهو يعرف أنّ اللحاف لن يغطي جسم الملك، صرخ الملك في وجهه، وهدّده بالقتل، عند ذلك ضرب الرجل الفلاح على ركبتي الملك بعصا كانت معه فقرفص الملك في الحال فغطّى اللحاف جسمه كاملًا، غضب الملك من الرجل الفلاح، لكنّ الفلاح ابتسم وقال له:  يا مولاي ألم تسمع بالمثل الذي يقول: على قد لحافك مد إجريك.

"لمّـا تقلي تدري.. لمّا تصرف تعرف"(3) 

يحكى أنّ بائع  بيض عرف أن بيضه فاسد، فأراد أن يبيعه بأيّ ثمن على أنّه طازج، وصادف أن كان في عُرض الطّريق رجل يحمل نقودًا مزيّفة، فسمع البائع وهو ينادي على البيض، فاقترب منه، واشترى العدد الذي أراده، وحين تمّ البيع واستلم الشاري البيض، واستلم البائع النقود، قال البائع، (لما تقلي بتدري)، فأجابه الشاري، و(لما تصرف بتعرف).

 

2- خذ هالقبع  بهالربع(4)

 

يحكى أنّ رجلين قد استدان أحدهما من الآخر ربع درهم، ولم يستطيع أن يسدّه في موعده مع إلحاح شديد من الدائن على المدين بالسّداد، وذات يوم وجد الرجلان خزنة مال هرب عنها اللصوص، فأخذا يقتسمانها، مستخدمين القبع في ذلك، والقبع هو مكيال صغير على شكل مخروط، وظلا يقتسمان المال بالقبع، حتى بقي في الخزنة مقدار قبع، فقال المدين خذ هالقبع بهالربع .

وقد جاء نفس المثل بكتاب آخر في حكاية ثانية بعيدة عن هذه الحكاية، وهذا دليل على أن الحكاية قد تكون خيالية، أو أن أشخاصًا قد سموا حكاية للمثل، أي أن المثل نفسه ولّـد حكاية وليس العكس كما هو مألوف، جاء في الحكاية الثانية ما يلي:

روي أنّ أحدهم قد استدان من صاحبه ربع درهم، فألحّ عليه صاحبه للسداد، وظلّ يلحّ عليه حتّى ضاق به ذرعًا، وأخيرًا فكّر المدين بحيلة فتظاهر بالموت ليرى نهاية الأمر مع هذا الصاحب اللحوح، فجاء صاحبه وطالب الورثة بالرّبع، فنهض المدين غاضبًا بعد أن خلع غطاء رأسه وأخذ يضربه به وهو يقول -  خذ هالقبع بهالربع(5) 

 

3- كلّ يا كُمّي قبل ما توكل يا ثُمّي(6)

قرأت عن هذا المثل أكثر من حكاية، وسمعت أيضًا عشرات القصص كلّها تدور حول الموضوع نفسه مع تغيير في الأسماء أو الأماكن والأزمنة، وأثبت هنا إحدى هذه الحكايات:

يروى أنّ عالمًا مشهورًا كان في زيارة إلى إحدى القرى وهم لا يعرفون قدره، وكان يلبس لباسًا عاديًا، فلم يلتفت إليه أحد، فقرّر أن يعود ثانية إليهم بلباس آخر، فلبس عباءة ثمينة، ودخل القرية نفسها، فرحّب به أهلها أجمل ترحيب، وأجلسوه مجلسًا رفيعًا، وقدّموا إليه الطعام، فصار كُـم عباءته يقع في الزاد، فقالوا له ارفع الكُم قليلًا فقال لهم مبتسمًا لولّا كُمّي ما أكل ثُمّي، وأخذ يردّد: كلّ يا كمّي قبل ثمّي. 

 

4 – افخت القربة واقتل السّقّا.... خير لا تعمل، شرّ لا تِلقى(7)

قصّة هذا المثل غريبة، ولا تعطي صورة عن المجتمع العربي، وعلى افتراض صحة حصولها، فأنا أرى أنّها  من الصّور النادرة في المجتمع، تقول القصة:

يحكى أن سقّاء يبيع الماء، تقدّم منه مسافر غريب لا يحمل مالًا وقد أنهكه العطش، فقدم السّقّاء له القربة ليشرب، فشرب المسافر حتى ارتوى، وبعد ذلك مزق القربة وأسال ماءها على الأرض، وهمّ بطعن السّقّاء بخنجر يحمله لولا أن السّقاء كان أسرع منه فضربه وأوجعه، فهرب المسافر، وبقي السّقّاء ينظر إليه متحسّرًا على مائه، نادمًا على فعل الخير، وقال: خير لا تعمل شر لا تلقى.

 

5 -  الكبر عَيـَا ابن غانم(8) 

ذياب بن غانم أحد أبطال الملحمة الهلاليّة، وكان على خلاف شديد مع الحسين بن سرحان، وذلك لأنّ ذياب كان يريد أن يستأثر بتونس لنفسه وحقّق ذلك، بقوّته وانتصاره على مبغضيه، وقد ذاع صيت بطولته خاصّة بعد أن استطاع أن يصرع الزيناتي خليفة الذي كان أقوى رجالات عصره، وقد طال العمر بذياب بن غانم حتى أصابه الوهن وكان في أيّامه الأخيرة لا يقوى على شيء، فأخذ الناس يضربون المثل في زوال القوّة، بعجز ابن غانم الذي أعياه الكبر.

 

6 -  مثل سعدى الصفيري، ذبحت رجالها منشان هوى نفسها(9)

في المجتمعات الإنسانية يُعتبر خطأ الكبير كبير، ويضرب به المثل لغرابته من عدم توقّع حدوثه، يُحكى أن سعدى الصفيري، وهي ابنة خليفة الزيناتي الذي كان له سطوة بين القبائل، أحبّت شخصًا اسمه مرعي، ولم يكن يبادلها الحب بحب مثله، لكنّه كان يحاول استغلال حبّها للوصول إلى أهدافه، وقد طلب منها أن تتدخل عند أبيها بالعفو عن الأسرى الذين كانوا عنده وهم من قوم مرعي، فوافقها الأب، ولكنّ هؤلاء الأسرى بعد فكّ أسرهم قتلوا رجالًا كثيرين من قومها، وبذلك تكون سعدى قد أطاعت حبيبها، وخانت قومها .

7 – الخناقة على اللحاف(10)

يروى أن جحا كان نائمًا في ليلة من ليالي الشتاء الباردة، فسمع أصواتًا وضجة في الخارج، فخرج من بيته متدثرًا اللحاف فإذا جماعة من الرجال يتشاجرون، فلما توسطهم، محاولًا الفصل بينهم والمصالحة، عندها سرق أحدهم اللحاف عن جحا وفرّ هاربًا فتبعه جميع اللصوص، عاد جحا إلى بيته فسألته امرأته عن أمر الصياح والمشاجرة، فقال لها، كان خلافهم على ما أعتقد على اللحاف فلما أخذوه ذهبوا متصالحين والحمد لله.

 

8- شرارة بتحرق حارة(11)

يحكى أنّ صيادًا جاء المدينة يحمل وعاء فيه عسل، ومعه كلبه، فدخل على صاحب حانوت، وعرض عليه العسل ليبيعه، وحين تذوّق الحانوتي العسل، سقطت قطرة من العسل على الأرض، فوقع على القطرة زنبور، وكان لصاحب الحانوت ابن عرس، فوثب ابن عرس على الزنبور وأخذه، فهجم كلب الصياد على ابن عرس وقتله، فحمل الحانوتي عصا وضرب بها الكلب فقتله، فهجم الصّياد على الحانوتي وقتله، واجتمع أهل صاحب الحانوت وقتلوا الصياد، فلما بلغ الخبر إلى أهل الصّياد اجتمعوا وقرّروا مهاجمة أهل القرية، ودار قتال شديد راح ضحيته بشر كثير، فأخذ النّاس يقولون، شرارة بتحرق حارة.

 

 

9- كلّ شي بينكتب بالورق، إلاّ  الزلق(12)

 

يذكرون أن رجلًا كان مزواجًا فقد تزوّج عشر نساء، ولم تجتمع عنده اثنتان، فظنّ أنّه قد عرف أخلاق النسا ومكرهن، وبدأ يكتب ملاحظاته من تجاربه معهنّ، وجمع كتابًا كبيرًا يتحدّث عن أخلاق النساء وألاعيبهن، حتّى يتّقي النّاس الشّرّ قبل وقوعه، وبعد تدوين كتابه تزوّج امرأة كان لها عشيق لا يعلم هو عنه شيئًا. حاولت المرأة أن تلتقي بعشيقها بحيلة لا تخطر على بال الشياطين، فبينما كانت تسير في الطريق مع زوجها، قام العشيق بسكب الماء على التراب، فتوحّل الطريق، ولما وصلت باب داره تظاهرت بالانزلاق ووقعت على الأرض وقد اتسخت ثيابها، فخرج العشيق من البيت وهو يلبس ثياب النساء فحملها ودخل بها إلى بيته، تبعه زوجها الذي بقي ينتظر في غرفة جلوس المرأة التي أغلقت الغرفة على زوجته حتى تبدل لها ملابسها، وعندما خرجت زوجته أخذها وذهب، وبعد فترة عرف بأمر الحيلة، فمزّق كتابه وقال: كلّ شي بينكتب بالورق إلا  الزلق.

 

10 – يا أبو الحصين اقرا الجواب، قال مين يقرا ومين يسمع(13)

يروي أن الثعلب (أبو الحصين) أوهم الذئب أنّ معه كتابًا يبيح له الدخول إلى حظيرة الغنم، فانخدع الذئب، ودخل معه إلى الحظيرة، أخذ الثعلب خروفًا صغيرًا وصعد به من فوق السّور، وبقي الذئب داخل الحظيرة يقتل الغنم متلذّذًا بفعله، وبعد حين جاء صاحب الحظيرة، وأمسك بالذئب الذي ظنّ أنّه محميّ بالكتاب، وأوسع الذئب ضربًا والذئب يصيح بالثعلب: اقرأ عليه الكتاب. فردّ عليه الثعلب: مين يقرا ومين يسمع.

 

11 -  ما أرخصك يا كور عند اللي اشتراك(14)

 

يحكى أنّ حدّادًا كان عنده كور قديم مهمل، وكان يضع فيه نقوده التي يحصل عليها، في يوم من الأيّام، غاب عن الحانوت لقضاء أعماله الخاصّة، وترك عامله فيه، وعندما عاد أخبره عامله وهو فرحان أنّه قد باع الكور، ظنًّا منه أنّه قد فعل أمرًا محمودًا، حزن الحداد حزنًا شديدًا على ضياع نقوده حتّى كاد يتلف قهرًا، ثمّ أخذ يقول كلّما رأى عامله: اترك الهمّ ينساك وإن افتكرته يضناك، ياما أرخصك يا كور عند اللي اشتراك...انفخ يا ولد.

 

12 -  أيش عرّفك إنها سكينة(15)

يروون أنّ لصًّا كان قد سرق سكينة، وفرّ بها ، وفي اليوم الثاني رأى اللصُّ صاحب السّكين وهو يقول:  لقد سُرق منّي شيء  فقال اللص فورًا:  إن شاء الله اللي أخذها ينذبح فيها، فأمسك به الرّجل وسأله، كيف عرفت أنّها سكينة، وظل يضربه حتى اعترف.

13-  كنت في الحصايد تغني للناس قصايد(16)

       كان أبو القاق، وهو طير جميل الصوت، يرافق الفلّاحين في الصّيف أيّام الحصاد وهو يغنّي لهم، وكان أبو القاق يسخر حين يرى النملة تحمل حبّة القمح أو الشعير على ظهرها وهي متعبة تخزنها في بيتها لأيّام الشتاء ،حيث لا تستطيع الخروج، فلمّا أن انتهت أيام البيادر وجاء الشتاء يجرف بأمطاره ما تبقّى من حبوب على الأرض، أخذ أبو القاق يبحث عن طعام فلم يجده، فذهب إلى النّملة يطلبها طعامًا، فقالت له: كنت في الحصايد تغني قصايد، فارقص الآن.

 

14 - إن أقفت بتقطّع جنازير الحديد، وإن أوجهت تنقاد بشعرة(17)

             والمعنى في هذا المثل، أن الحياة إن أدبرت فأمرها صعب، وإن أقبلت فالأمور سهلة، ويشابه هذا المثل أمثال أخرى منها، (الحظّ لمّا بيواتي بيخلّي الأعمى ساعاتي). وقصة هذا المثل أنّ رجلًا بخيلًا جدًّا، وكان عند تنقّله يحمل ماله كلّه على بغلته ويسير هو خلفها، وفي إحدى تنقّلاته انشقت الأرض وبلعت البغلة، فأحضر سلاسل من حديد ليرفعها، فتقطّعت سلاسل الحديد، فجلس أمام الحفرة حزينًا وأخذ يلوم نفسه على بخله وعدم تصدّقه بماله، فقرّر أن يتصدّق بما بقي معه، وأن يسلك مسلكًا جديدًا في حياته، وكان كلّ يوم يجلس عند الحفرة، في يوم من الأيّام رأى شعرة طويلة في الحفرة، فشدّها , وظل يشد بها حتى يرى آخرها، فإذا بالبغلة مربوطة بها، فقال المثل السابق.

 

 15- كِنّو معاك يا أختي تين سوادي(18)  

 

       من المعروف عند الفلاحين أن التّين السُّوادي كما يسمّونه، وهو التين الأسود، نادر؛ لذلك فهو مرتفع في سعره، مرغوب في أكله، وصادف أنّ امرأة كانت قد دعت أخاها أن يتذوّق من سلّة التّين التي تحملها، وكانت قد وضعت بعض حبات من التين السوادي في أسفل السّلة، أخذ أخوها بالتذوق حتى انتهى إلى التين السوادي، فقال لها، كِنّو يا أختي معاك تين سوادي ؟ فعرفت أخته أنه قد أتى على السلة بالكامل.

 

16 - الحَجّة حَجّة  بس الهمزات هِنّي هِنّـي(19)

 

عادت قطّة من الحجّ، فجاءت وفود من الفئران للتّسليم عليها والمباركة، وبينما كانت القطّة تتلقّى التّهاني، كان ذيلها يتحرك ذات اليمين، وذات الشمال، وتراودها نفسها بالهجوم على الفئران وأكلها، ولفت ذلك الفئران، فأصبحت تقول فيما بينها، الحَجّة حَجّة، بس (لكنّ) الهمزات هنّي هنّي. 

 

17 – قُصرْ ذيلْ يا أزعر(20)

 

وصل إلى علم جماعة من الفئران وجود جـرّة من العسل في مكان ما، فكانوا يذهبون إلى هناك، ويصعدون بالتناوب على فم الجرة، فيمدّ كلّ واحد ذيله في الجرة ثم يلحسه، وصادف أنّ أحد الفئران كان قصير الذيل، فحاول أوّل مرّة والثانية فلم يصل ذيله إلى العسل فقال لهم: أنا لا أحب العسل. فأجابه أحدهم: قُصرْ ذيل يا أزعر.

 

18 -  دقّـة بدقّة، ولو زِدنا زاد السّقا.(21)

كان عند أحد البقّالين سقّاء يقضي له حاجته، ويجلب له الماء من النّبع، وكانت عند السّقّاء زوجة جميلة وقع البقّال في هواها، وكانت إذا جاءت لتشتري حاجة من عنده ضغط على يدها راغبًا في استمالتها، لكنّها لم تستجب، وفي يوم من الأيّام قالت زوجة البقال لزوجها، إن السّقّاء قد ضغط على يدها هذا النهار، فقال البقال في نفسه: دقّة بدقّة، ولو زدْنا زاد السّقا.

 

19 -  لبِسْ قُبعه ولحِقْ ربعُه(22)

 

يقال إنّ رجلًا فاضلًا أراد أن يربّي أولاده التربية الحسنة، فكان دائم النصيحة لهم، لكنهم كانوا يخالفونه في كلّ ما يقول، ولا يفعلون بنصيحته، وكثيرًا ما طلب منهم أن يرافقوه إلى الحقل لزراعة الأرض، فأخذوا يهجرون البيت واحدًا واحدًا من ضجرهم من نصائحه وطلباته الكثيرة، وفي يوم من الأيّام زاره صديق له وأخذ يسأله عن أولاده فأجابه بأنهم تركوا البيت، فقال صديقه: والصغير؟ أجابه لبس قبعه ولحق ربعه.

20 - خليهم يوكلوا(23)

المثل بحكايته مشهور جدًا، وهو ينسب إلى عصور عربية مختلفة، وفيه من الطرافة والفكاهة الشيء الكثير، وهنا اثبت حكاية واحدة لهذا المثل، تقول الحكاية، إنّ رجلًا بخيلًا  زار أخته بعد انقطاع طويل عنها، وكان لها مجموعة من الأبناء، وبعد أن استراح قليلًا أخذ الأبناء يحومون حوله فرحين بزيارة خالهم، فتذكّر عندها أنه لم يُحضر لأبناء أخته شيئًا، فأخذ يذكر لها أنّه كان ينوي إحضار بعض الفواكه لهم والأخت تخفّف عنه وتقول له: المهم سلامتك وحضورك بعد هذه الغيبة الطويلة. وامتدّ الحديث طويلًا وهو يذكر ما كان سوف يحضره، والأطفال ينظرون إليه مستغربين ممّا يسمعون، وفي النهاية قالت له الأخت: إن الأطفال لا يريدون منك شيئًا، كُفّ عن هذا الحديث. فقال لها مبتسمًا: خليهم يوكلوا.

 

21- زمّــر ابنيّـك(24)

 

تقول الحكاية إنّ أحد رجالات القرية أراد السفر خارج البلاد، وكان السّفر في ذلك الزمن من الأمور النادرة، فجاء أهل القرية لوداعه، والجميع يوصيه لإحضار الهدايا دون أن يفدع له مالًا، وهو يهزّ رأسه بالموافقة قائلًا: تكرموا. وأخيرًا قال له أحدهم خذ هذا القرش واحضر لولدي مزمارًا، فردّ عليه: زمّـر ابنيك. أي أنت الوحيد الذي سأجلب له ما يريد.

 

22 - إللي بدري بدري (يعرف)، وإللي ما بدري بقول: كفّ عدس.(25)

حكاية ريفية، تروى بغير أسلوب وعلى أكثر من لسان، وهي في النهاية متشابهة الدّلالة والمضمون، ولا نستطيع أن ننسبها لمنطقة محدّدة، فكلّ الدّارسين  على اختلاف جغرافيتهم قد نسبوها إلى مناطقهم. تقول الحكاية إنّ أحد الفلاحين حاول المساس بعرض جاره، وذلك أيّام الحصاد، فلمّا عرف والد الفتاة بذلك، تعرّض له على طريق البيادر، وحاول ضربه بعد أن فأفلت منه، لكنّ الرّجل استطاع الهروب وفي طريق هروبه حمل حفنة من العدس من بيدر قريب، فلحقه والد الفتاة، وحين رآه الناس يركض خلفه ظنّوا أنّه يريد إرجاع حفنة العدس فلاموه على ذلك، لكنه قال لهم: اللي بيدري بيدري، واللي ما بيدري بيقول كفّ عدس.

 

23 - شمّـع الخيط وهرب(26)

 

حُـكم على أحد المساكين بالإعدام، وهو بريء من التّهمة، وفكّـر في حيلة يهرب من الحكم الجائر، وقبل إعدامه، طلب من القاضي كبكوبة خيطان (لفّـة كبيرة) وقطعة شمع وإعطاءه وقتًا كافيًا لتشميع الخيط، وبما أنّ التقاليد تقضي باستجابة طلب المحكوم عليه بالإعدام قبل إعدامه، فإنّ القاضي أمر بتنفيذ طلبه في الحال، وأحضروا له ما طلب، عندها قال للحارس أن يمسك طرف الخيط حتى يتسنّى له أن يشمّعه، أمسك الحارس بأوّل الخيط، وأخذ الرجل يبتعد تدريجيًّا ليتمكّن من تشميع الخيط، وهكذا ظل يبتعد أكثر وأكثر، والحارس واقف مكانه وحين عرف أن الخيط قارب على الانتهاء، وأنّه أصبح بعيدًا بما فيه الكفاية، هرب مبتعدًا، ولم يستطع الحارس اللحاق به، وحين عاد الحارس قال: شمّع الخيط وهرب.

 

24 -  على هالحمّص ما فيه عِيد(27)

 

كما تُروى هذه القصة على لسان الكاهن، فإنّها تُروى أيضًا بكتب أخرى على لسان إمام المسجد، والحكايتان متطابقتان، تقول الحكاية إنّ كاهنًا أُميـًّا كان يستعين على معرفة أيّام الأعياد بحبّات الحمص التي يضعها في جيبه، حيث كان في كلّ يوم يُنقص حبّة، وحدث أنّه قبل عيد الفصح بأيّام قليلة أعطى ثوبه لخادمه ليصلحه، وجد الخادم حبّات الحمّص في جيب الكاهن، فأكل بعضها، ثم تذكّر أنّ هذا الأمر قد يُغضب الكاهن، فتناول حفنة كبيرة من الحمص من مونة الكنيسة ووضعها في جيب الكاهن، وبعد أيّام وقف الكاهن يتلو إعلانات الكنيسة، ومواعيد الصلاة، وأيّام الأعياد، ومدّ يده إلى جيبه ليعرف كم بقي من أيام قبل العيد، فوجد أن حبّات الحمص كثيرة، فقال: على هالحُمّص ما فيش عيد.

 

 


* كاتب وباحث أردني.

(1) خورشيد، فاروق، 1978، السير الشعبية، دار المعارف بمصر، ص 8.

(2)  ابراهيم، نبيلة، د.ت، البطولة في القصص الشعبي، ص 61/62

(3) كلمات في المأثورات الشعبية د. عمر الساريسي ص55 دار ابن رشد للتوزيع / عمان 1982

(4) نفسه ص58. 

(5) الأمثال العامية الفلسطينية محمد على أبو حمدة ص 34  دار ابن رشد / عمان1984.

(6) نفسه، ص 14.

(7)   سرحان، نمر، 1979، موسوعة الفلكلور الفلسطيني، ج 4، المؤلف نفسه.

(8)  العمد، هاني: 1987، الأمثال الشعبية الأردنية، وزارة الثقافة، عمّان، ص 430.

(9) نفسه، ص 551.

(10) تيمور، أحمد، 1986، الأمثال العاميّة، ط4، مركز الأهرام للترجمة، ص 203.

(11) نفسه، ص 281.

(12) المصدر السابق.

(13) المصدر نفسه.

(14) المصدر نفسه.

(15) المصدر نفسه.

(16) أبو حمدة، محمد، 1984، الأمثال العاميّة الفلسطينية، دار ابن رشد، عمّان.

(17) المصدر نفسه.

(18) نفسه.

(19) نفسه.

(20) نفسه.

(21) نفسه.

(22)الفرحان، إحسان، 1987، خيرها بغيرها، دار الباحث، عمّان.

 (23) من مقابلات شخصيّة أجراها الباحث.

(24) من مقابلات شخصيّة أجراها الباحث.

(25) من مقابلات شخصيّة أجراها الباحث.

(26)إميل، بديع يعفوب، د.ت، الأمثال الشعبية اللبنانيّة، جرور برس، طرابلس، لبنان.

(27) المصدر نفسه.

 


 في حالة النقل أو الإقتباس يرجى الإحالة الى المصدر:  مجلة الفنون الشعبية ،العدد 17 لسنة 2014

© 2024 تطوير وتصميم شركة الشعاع الأزرق لحلول البرمجيات. جميع الحقوق محفوظة