العطوة العشائرية وطرائقها موروث حضاري
في محافظة عجلون
إعداد
علي أحمد العبدي الفريح
مشرف وباحث في الموسوعة العجلونية
المحتوى
- ملخص البحث.
- مفهوم العطوة.
- مدة العطوة.
- طرائق أخذ العطوة.
- أنواع العطوات.
- العطوة التامة والعطوة الناقصة.
- فراش العطوة.
- طقوس الصلح
- الخاتمة
- هوامش البحث ومراجعه
1-ملخص البحث
يهدف هذا البحث إلى إضاءة إحدى العادات العربية الأصيلة العشائرية والتي صارت بمكانة العادة والعُرف. فالعادات العربية من مكارم الأخلاق؛ لأنّها تؤدي إلى الصلح وتعيد الأمور إلى مجاريها. فالجيل الجديد لا يعرف عن هذه العادات العربية العشائرية التي تقرّب وجهات النظر بين المتخاصمين في كثير من القضايا. كما أنّ هذا الجيل لن يعيش إلى الأبد، فلا بد من أن يستلم الجيلُ الجديد الراية من الآباء ليقوموا بالواجب الملقى على عاتقهم.
والعطوة أقسام وأنواع؛ فإذا لم يتعرّف الجيل الجديد على العادات العربية في حال حدوث خطأ، فستحدث هناك مشكلة لا تعرف نتائجها.لهذا تم التعريف بالعطوة وأقسامها ودور كل قسم مع بيان مفهوم فراش العطوة وكيفية إنهاء المُشْكِل الذي حدث.
2- مقدمة:
لعل من بين الموروثات التي ما زالت حية ويأخذ بها الناس في المجتمع الأردني وخاصة العجلوني، العطوة وطرائقها. والعطوة(1) هي بمثابة مهلة من أهل المجني عليه لأهل الجاني من أجل تدبير أمورهم، ودفع الحقوق المترتبة عليهم نتيجة الخطأ الذي حدث من أحد أبنائهم بقصد أو بغير قصد.
وهي عطاء وتكرم من قبل أهل المجني عليه بعدم الاعتداء لمدة معلومة. فهي هدنة مؤقتة تستمر لمدة محدودة ويلجأ إليها العرف العشائري(2) في القضايا الجزائية كالقتل، والدهس والعرض والنزاعات والصدم.
أمّا في حالات القضايا الحقوقية مثل السرقات والاعتداء على أموال الآخرين وممتلكاتهم، فانّ صاحبها وعشيرته تسعى إلى عشيرة أخرى؛ لكي تتوسط وتبذل مساعيها للحصول على هدنة مدتها محدودة، بقصد حماية المعتدى وأقاربه من الطرف الآخر، وفسح المجال أمام الطرفين للتفاوض حول الطريقة الصحيحة والمرضية لحل الخلاف. وقانون العطوة أرقى ما في القانون العشائري من قرارات لإصلاح ذات البين بين الناس.
ويشترط ممن يقوم بآداب العطوات أن يكون : قوي الشخصية، طليق اللسان، ومعروفا بين الناس. ويأتي الشيخ راشد باشا الخزاعي وابنه من بعده الشيخ محمود راشد باشا الخزاعي في طليعة الذين يصلحون بين العشائر المتناحرة ثمّ الأستاذ معن محمود راشد الخزاعي على نهج آبائه في الإصلاح..
3. مدّة العطوة(3) : أمّا مدة العطوة فإنها تتراوح من عدة أيام، إلى عدة أشهر، وذلك تبعا لخطورة القضية، ففي القضايا الخطيرة، مثل القتل، والعرض، تبدأ العطوة عادة بثلاثة أيام وثلث. وتبدأ من ساعة ارتكاب الجريمة حتى نهاية العطوة، وتسمى (عطوة فورة دم)(4) أمّا العطوة العادية فتكون لمدة شهر، أو أكثر. ويمكن تجديد العطوة بواسطة الوسطاء ( الوجه) .
4. طرائق أخذ العطوة (5)
تذهب الجاهة الكريمة والمكونة عادة من شيوخ ووجهاء عشيرة أخرى منتخبة من قبل الجاني إلى بيوت المجني عليه، وتقوم هذه العشيرة باستقبال الجاهة الكريمة بالترحيب، ويصب أحد أفراد عشيرة المجني عليه فنجان قهوة من السادة. وبعدها تطلب الجاهة على لسان كبيرها المنتخب باسم الجميع أن يصب فنجانا واحدا فقط يوضع أمام كبير السن، أو المتكلم باسم الجاني. فيقول موضحاً أهمية العادات العشائرية وأنّ هذه الجاهة ليست مع الجاني، ولكن ما ذنب هؤلاء الصغار الذين لم يؤخذ برأيهم، وغلطة وصارت، وكلنا نخطىء ثم يقول: ((لا نشرب قهوتكم إلّا بعد تحقيق ما جئنا من أجله وهو قبول العطوة، وعندها يقف أحد المندوبين عن أهل المصاب كأبيه أو أخيه أو من ينيبون عنه فيتولى عملية توضيح ملابسات الحادث وما هي النتائج التي آلت إليه ، ثمّ يعلن قبول أخذ عطوة. وحين يجابون بالإيجاب تعين مدة العطوة وربما تكتب على نسختين باسم (صك العطوة) وبعدها تشرب الجاهة الكريمة القهوة وتشكر أهالي المجني عليه وتعد هذه العطوة بادرة سلام بين الطرفين.
5- أنوع العطوات
وتختلف العطوة حسب نوع المشكلة أو الجريمة، وهي عموما أربعة أنواع رئيسة:
الأولى: عطوة قص وبص وتسمى في العرف العشائري(6)، عطوة تفتيش أو أمهال أو إقبال، والغرض منها البحث عن أسباب المشكلة والوقوف على حقيقة الجاني وهويته .
الثانية: عطوة اعتراف بالحق، وتؤخذ بقصد إمهال الجاني الذي اعترف بجريمته لمدة معينة . وهناك فرع آخر وهي العطوة على حق وتؤخذ في حالة ضياع الحق بين الطرفين فكل منهم يعترف ويعتبر أن الحق له فتؤخذ العطوة لمدة معينة فيختار كل منهما كفيلين، ويتقاضيان أمّا قاض متخصص عن طريق ملم-وهو الشخص الذي يجتمع عنده الفريقان لأول مرة من أجل تعيين القاضي الذي يحتكم عنده حل القضية ويكون حكم القاضي نافذا على الطرفين دون اعتراض.
الثالثة: عطوة على حي أو ميت(7) وهي غالباً في القضاء العشائري وتؤخذ عندما تكون إصابة المعتدى عليه بليغة وحياته معلقة بين الحياة والموت، ففي حالة بقائه على قيد الحياة تتم له إجراءات عطوة حي, وفي حالة الوفاة تبطل العطوة الأولى وتؤخذ له عطوة الميت، ولكل عطوة منهما جلسة ولقاء عام .
الرابعة: العطوة التامة والعطوة الناقصة (8)
أمّا الأولى فتشمل جميع القضايا العادية أي ليس بها أي تحفظات ولا شروط ((عطوة غير مشروطة)) أي تشمل جميع أفراد الجاني ويتمتع الجميع بالحماية.
أمّا الثانية فهي العطوة المشروطة –(أي ناقصة)-وذلك لأنّ قصتها معقدة وصعبة وفيها خروج على المألوف مثل العطوة لجميع العشيرة ما عدا الجاني أي أن دمه أصبح مهدورا بموافقة العشيرتين وفي هذه الحالة تكون العطوة ناقصة لا تشمل العموم.
6. فراش العطوة وهي مبلغ من المال يقدم مسبقا إلى الطرف المعتدى عليه ريثما تحل القضية باتفاق الطرفين، وتدفع مرة واحدة، ولو جددت العطوة مرارا. ولا بد للعطوة من كفيلين: أحدهما كفيل لعشيرة المعتدى عليه من عدم الاعتداء عليه، وهو كفيل الدفاء، وهو يضمن الطرف المعتدي منالطرف المعتدى عليه. والآخر كفيل الوفاء وهو الشخص الذي يكفل المعتدي بوفائه لحق المعتدي عليه. أمّا في حالة عطوة الشرف فيكتفي بكفيل الوفاء لكي يضمن حماية الطرف المعتدي(9).
7. انتهاء مدة العطوة
وبعد أن تنتهي مدة العطوة يقوم من يعين كفيلاً للدفاء بمراجعة أهل المعتدى عليه لتعيين يوم للصلح، وبعد أحاديث طويلة تستغرق وقتاً طويلاً يتم الاتفاق على شروط الصلح.
8.طقوس الصلح
وفي الموعد المحدد تنصب الخيام وبيوت الشعر في مكان عام، بعد أن تكون الدعوات قد وصلت إلى المدعوين من الشيوخ والوجهاء ومن يهمه الأمر، وبعد أن يكتمل حضور المدعوين، تصب القهوة وتوضع أمام كبير المدعوين من الشيوخ قيمة وقدراً وفهماً بالعادات العربية العشائريّة يقف كبير الجاهة فيتحدث بما يقرب وجهات النظر بين الطرفين( 10).
وفي النهاية يتم التوصل إلى وجهات نظر ترضي الطرفين، ويتم كتابة صك الصلح، وتشرب القهوة العربية دليلاً على الصلح. ثمّ يستأذن كفيل الدفاء أهل المغدور بإحضار أهل المعتدي أي الجاني ليتم السلام والمصافحة.
يصطف أهل المعتدى عليه من أهل الحل والربط في صف واحد، ويقفون مستقبلين أهل الجاني، ثم يجلسونهم؛ حيث يقف كبيرهم ويعزي أهل المغدور ويشكرهم على أخلاقهم العربية وكرمهم ، ثمّ يوقعون على صك الصلح، وبعدها يحمل أحد أبناء المعتدي راية بيضاء مرفوعة إعلانّاً بالصلح يراها القاصي والداني.
10.الخاتمة
وبهذا تكون العادات العشائريّة قد لعبت دوراً كبيراً وإنجازاً كبيراً في حقن الدماء في حال حصول جريمة قتل، أو تكون قد أنجزت عملاً عظيماً عندما تتوصل في النهاية إلى حل مشكلة مستعصية على كافة الأطراف.
وهنا يثبت أهل المجني عليه أخلاقهم العربية التي تربوا عليها أنهم ليسوا من أهل الثارات الجاهلية التي لا تولّد سوى الحقد، والكراهية، فالشر لا يولِّد إلا الشر، والحقد لا يولِّد إلا الحقد. فتأتي هذه العادات والتي صارت بمثابة العرف والعادة ليحل الوئام محل الخصام، والمحبة محل الكراهية.
11. هوامش البحث ومراجعه
- من أحاديث الشيخ معن محمود الراشد الفريحات
- انظر ابن منظور: لسان العرب، باب الهمزة.
- راجع الشيخ معن محمود راشد الخزاعي لمعرفة المزيد من آداب العطوات.
- من حديث الشيخ عقاب أحمد حسين عنانزة.
- عطوة فورة الدم وهي العطوة التي تأتي مباشرة بعد الحادث ( القتل أو الجريمة ) ؛حيث تكون النفوس ملتهبة للأخذ بالدم أي الثأر؛ لهذا يسارع أهل المعتدي بالاستجارة بإحدى العشائر القوية ذات العدد لأخذ عطوة لحقن الدم وإجراء اللازم.
- مقابلة مع الشيخ معن محمود الراشد الفريحات
- مقابلة مع الشيخ معن الراشد الفريحات،
- انظر أبو فضّة، محمد سمور: عجور أرض الأجداد،مطبعة البيت العربي،ط1، 1985، ص160
- انظر أبو الغنم، أحمد سلامه: البادية عادات وأعراف، مطبعة السفير، 2013م، ص 150 – 160
- مقابلة مع الشيخ معن محمود الراشد الفريحات
المراجع
ابن منظور: لسان العرب، باب الهمزة.
أبو الغنم، أحمد سلامه: البادية عادات وأعراف، مطبعة السفير، 2013م،
أبو فضّة، محمد سمور: عجور أرض الأجداد،مطبعة البيت العربي،ط1، 1985،