جبال عجلون في عيون الرحالة والمؤرخين
إعداد
د.أحمد مصطفى القضاة
محرر وباحث في الموسوعة العجلونية
أستاذ مشارك في جامعة العلوم الإسلامية العالمية
المحتويات
1- مقدمة
2- سرّ اهتمام الأمراء والعظماء بجبال عجلون
3- شهرة جبال عجلون عند الرحّالة والمؤرّخين
أ- شهرة عجلون لدى الرحالة والمؤرّخين المُتقدّمين:
1- شيخ الربوة
2- الدمشقي
3- أبو الفداء
4- ابن بطوطة
5- القلقشندي
6- ابن شاهين الظاهري
ب- شهرة عجلون لدى الرحالة والمؤرّخين المتأخّرين:
- الدكتور سيلاه مرل.
4- هوامش ومراجع البحث.
جبال عجلون في عيون الرحالة والمؤرخين
1- مقدمة:
لقد حظيت جبال عجلون بزيارة الرحالة إليها ومرورهم بها، واهتمام المؤرخين والكتّاب بأحداثها ووقائعها، كما حظيت بقية البلاد والمناطق في الوطن بالزيارة والاهتمام، وقد يكون لكل بلد أو منطقة اهتمام معين ورعاية خاصة، تبعاً للموقع والأهل والطبيعة، ولذلك فإن جبال عجلون استقطبت قديماً وحتى في وقت متأخر الأمراء والشعراء والعظماء والعلماء والأولياء، وحظيت باهتمام بالغ من قبل الرحالة والمؤرخين، والسياح والكتّاب، ولا زالت تحظى باهتمام أعداد كبيرة من الزوار القادمين من خارج المملكة وداخلها، نظراً لموقعها الخلاب، وجمالها الرائع، وقلعتها الشامخة، وهوائها النقي، وتاريخها العريق.
2- سرّ اهتمام الأمراء والعظماء بجبال عجلون:
يأتي اهتمام الأمراء والعظماء بجبال عجلون لموقعها الاستراتيجي في الوطن العربي، فهي حلقة وصل بين بلاد الشام وأرض فلسطين، وهي نقطة ضرورية مع غيرها من المناطق المجاورة لها حيث أنها تصل بين شمال الوطن وجنوبه، أو قل بين أرض الحجاز وأرض تركيا، وخاصة حسب التقسيم القديم، وهي منطقة استراتيجية للقوافل المتنقلة بين أرض الفرات وأرض النيل، ومن هنا فإن جبال عجلون التي كانت تضم في فترة من الفترات مساحات شاسعة تشكل نقطة ارتكاز لكل حاكم يريد الحفاظ على مملكته أو ممالكه، أو يريد الدخول والاستيلاء.
وقد فهم أهمية الجبال ومكانتها صلاح الدين الأيوبي –صاحب العقلية العسكرية- فأوعز إلى أحد قواده ببناء القلعة على أحد تلال عجلون لتكون رديفاً له في حروبه مع الصليبيين، ومنطلقاً لجيوشه المحاربة في عرض البلاد وطولها، ومركز راحة للمقاتلين الذين يقارعون الأعداء.
وقد يكون لطبيعة المنطقة أثر بارز في اهتمام الأمراء والعظماء بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي العام، فالمنطقة جبلية زراعية غنية بالمياه والخيرات، تصلح للمناورات والمساجلات الحربية، وتصلح منطلقاً للمقاتلة، كما تعد جبالها ووديانها حصوناً منيعة أمام المعتدين.
وفي اهتمام الأمراء والعظماء بجبال عجلون دليل واضح وبرهان جلي على اهتمام الرحالة والمؤرخين أيضاً، لأن المؤرخين يسطرون بصمات الحكام على صفحات التاريخ، ويكتبون الأحداث والوقائع، ولولا اهتمام العظماء لما سطرت صفحات ماضية مشرقة، ولا تغنى بها الناس، كما أن الرحالة يعشقون مناطق الأحداث، وآثار العظماء، وبلاد الشهرة والجمال.
وأقرب مثال على ذلك قلعة صلاح الدين، تلك القلعة الشامخة في السماء، والرابضة فوق الجبال، إذ شيدت وأقيمت على يد قائد عظيم وبأمر من حاكم عظيم، حيث تعد هذه القلعة من أضخم المعالم التاريخية العسكرية لمنطقة شرقي الأردن، ومن أبرز الأماكن السياحية في الوطن، ولذلك فقد جمعت جبال عجلون بين أيام الرحالة وذكرياتهم وبين تأليف المؤرخين وكتاباتهم.
وتجدر الإشارة إلى أن جبال عجلون احتضنت طائفة كبيرة من الأدباء والشعراء والعلماء والأولياء وانتسب إليها أعداد كبيرة من القضاة والعلماء، فكانت الأديبة عائشة الباعونية(1)، وكان العالم البارع إسماعيل العجلوني(2)، وكان أبناء قاضي عجلون(3)، وكان غيرهم مما حبب البلاد للرحالة لزيارتها وللمؤرخين للكتابة عنها.
3- شهرة جبال عجلون عند الرحّالة والمؤرّخين:
لم يدع الرحالة أيامهم في جبال عجلون دون أن تنطق الألسن والشفاه بما رأته العيون، وانطبع في الأنفس، فانشرحت له الصدور، فكان كلامهم صورة صادقة عن حياة البلاد الماضية، الصورة التي يمكن من خلالها استرجاع التاريخ، واستذكار الماضي، واستكشاف الحقائق، واستقراء الواقع، وقد قدمت بهذه الأفكار تجلية لصورة البلاد قبل أن أذكر وصفها عندهم.
أ- شهرة عجلون لدى الرحالة والمؤرّخين المُتقدّمين:
1- شيخ الربوة: جاء في وصف عجلون وحصنها عند الكاتب الكبير –شيخ الربوة- الشيخ شمس الدين الدمشقي المتوفى سنة 727هـ: 1327م من كتابه نخبة الدهر في عجائب البر والبحر –قوله: وفيها –عجلون- حصن حسن حصين، وفيه مياه جارية، وفواكه كثيرة، وأرزاق غزيرة، وهو مشرف يرى من مسيرة أربعة أيام(4).
2- الدمشقي: وهذه العجيبة التي ذكرها الدمشقي في نخبته لفتة لطيفة ذات معنى عميق، تعطي صورة حقيقية لموقع تاريخي عريق، وهي تكشف عن كثير من الأمور والأشياء، ويستنتج من خلالها أشياء وأشياء، حيث أشارت هذه العبارة إلى حقائق تاريخية عدّة ذات صلة قوية بجبال عجلون.
الأولى: قلعة عجلون الحسنة الحصينة، فهي حصن حافظ واقٍ من الأعداء والمعتدين، لا يمكن النفاذ إليه، فهو قد أحكمت قواعده، وشيد بنيانه، واختير مكانه، وشبكت أقواسه وجدرانه، وحسن مقامه، ولفظة حسن عند الدمشقي توحي بحسن البناء والمقام، وإتقان القلعة وارتياح الساكنين.
الثانية: المياه الجارية وهي نعمة أنعمها الله على جبال عجلون قديماً وحديثاً، وأغلب وديانها تسيل فيها المياه أو تنبع منها، -مع قلتها في هذه الأيام-، ولكن الدمشقي ذكر المياه الجارية بعد ذكره للقلعة، وهي إشارة إلى الصورة البراقة لجداول المياه المنسابة في الأودية والقنوات، لتلمح من ورائها الصفاء والنقاء، ومن خلالها الخضرة والعطاء.
الثالثة: كثرة الفواكه وغزارة الأرزاق، وهي نعمة أخرى تضاف مع نعمة المياه، وقد أبرز الدمشقي الفواكه من الأرزاق، وهي كثيرة غزيرة، وفيها دلالة على كثرة الخيرات والبساتين، وإشارة إلى خضرة الجبال وجمالها، وارتياح الأنفس وصفائها، وبركة الأرض والأشجار وثمارها، وحسن عناية الزارعين، وطيب كرم الساكنين.
الرابعة: التلال المرتفعة، وهي ميزة من ميزات منطقة عجلون، حيث توصف بالجبال، حتى قديماً زمن الأموريين تسمى بجبال جلعاد، وتضاريسها جبال وأودية، ورغم كثرة تلالها فإن الحصن مبني على تل مشرف مهم، ولضخامة هذا الحصن وارتفاع التل فإن الرائي يشاهده من مسيرة أربعة أيام.
الخامسة: افتخار جبال عجلون بالقلعة الذهبية، وأسميها بالذهبية لأنها منحت الجبال أحسن من الذهب، وسطرت له تاريخاً أغلى من الذهب، فقد ربط الدمشقي –كما ربط غيره- مجد مدينة عجلون وجبالها بالقلعة الحصينة، والحقيقة أنها مفخرة لتاريخ المنطقة، إذ أعطتها اهتماماً عالمياً بليغاً، وحباً وطنياً أصيلاً، فكانت الرحلات السياحية المتكررة برهان على ذلك.
3- أبو الفداء: كما ورد ذكر آخر عند أبي الفداء المتوفى عام 732هـ: 1331م في كتابه – تقويم البلدان(5) حيث قال: عجلون حصن وربضه يسمى الباعونة، والحصن عن البلد شوط فرس، وهما في جبل الغور الشرقي قبالة بيسان، وحصن عجلون حصن منيع مشهور يظهر من بيسان، وله بساتين ومياه جارية، وهو حصن محدث، بناه عز الدين أسامة من أكابر أمراء صلاح الدين.
وتدل العبارة السالفة الذكر على دلالات عظيمة منها:
أولاً: اشتهار القلعة بعجلون وعجلون بالقلعة، فقد قال: عجلون حصن، وقال أيضاً: حصن عجلون، ولذلك من الضروري جدا أن تنسب القلعة إلى عجلون في البحوث والدراسات والكتب والجرائد وغير ذلك، وأن تسمى بقلعة عجلون سيراً على وصف العلماء السابقين، وتمشياً مع اطلاقات الرحالة والمؤرخين، وإظهاراً لعجلون ذات البعد التاريخي العريق.
ثانياً: ذكر أبو الفداء كلمة ربض وهي تعني الناحية من الشيء، والمعنى هنا أن ناحية هذا الحصن تسمى الباعونة، ومع أن أبا الفداء أورد كلمة الربض لكنه ذكرها بعجلون لأنها التسمية التاريخية العريقة، وهو الاشتهار السائد المطلوب.
ثالثاً: المقصود بالباعونة في العبارة هي قرية باعون الواقعة في الجهة الشمالية من عجلون، وقد ورد ذكر القرية في أكثر من كتاب وظهر منها أكثر من عالم(6)، وعند الحديث عن باعون في الكتب أو في التاريخ تعرّف بعجلون.
رابعاً: موقع البلد والساكنين ليس في القلعة، وإنما هو في موقع المسجد الجامع، حيث الساحة العامة التي تمثل الملتقى للناس القادمين من المناطق والقرى المجاورة، والمركز العام للتجمع السكاني، والممر السليم للقوافل والسائرين، ومما يؤكد هذا المعنى بناء مسجد عجلون الجامع عام 645هـ ، أي قبل وفاة أبي الفداء بـ (87) سنة.
خامساً: التحام جبال عجلون بالأغوار ومقابلتها لبيسان، وهي تدل على شهرة بيسان، ووجود علاقة مميزة بينها وبين منطقة عجلون، وحتى وقت قريب فالأجداد والآباء يتحدثون عن سفرهم إلى بيسان للتجارة.
سادساً: كثرة البساتين والمياه الجارية، وغزارة الخيرات وتفجر العيون، واتساع الرقعة الخضراء، والاعتناء بالشجرة، والاهتمام بالزراعة والري، واعتماد الناس على نتاج الأراضي.
سابعاً: مناعة الحصن وقوته وشهرته وظهوره وارتفاعه وحداثته، والعبارة دالة على ذلك، ولأهمية الحصن فقد أشرف القائد بنفسه على البناء والعمل، وصاحب تأسيسه والانتهاء منه.
4- ابن بطوطة: وقد مر بمدينة عجلون الرحالة المشهور ابن بطوطة المتوفى سنة 779هـ: 1377م، فذكرها بقوله: ثم سافرت منها –أي نابلس- إلى مدينة عجلون، وهي مدينة حسنة، لها أسواق كثيرة، وقلعة خطيرة، ويشقها نهر ماؤه عذب(7).
وبهذا فإن ابن بطوطة يحدد معالم الحياة الحضارية لمنطقة عجلون قبل ستمائة عام بالآتي:
أولاً: المباني الحسنة: فعجلون مدينة حسنة، والمدينة تعني الوجود السكاني مع النهضة العمرانية، وهي تحمل اسم المدينة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، ويطلق الحسن الذي عبر عنه ابن بطوطة على جمال الطبيعة والمدينة وعمرانها، وعلى أخلاق الناس ومعاملاتهم.
ثانياً: الأسواق التجارية: وهي كثيرة دالة على الموقع الاستراتيجي بين القوافل التجارية المارة والحالة، وحركتها الدؤوب مع سكانها وقراها، وفيها إشارة إلى اعتماد أهالي جبال عجلون يومئذ على التجارة، وهذا يعني وجود خيرات كثيرة، وبساتين عديدة، وحركة اقتصادية قوية، وأصحاب رؤوس أموال.
ثالثاً: القلعة الحصينة: وهذا معلم حضاري عسكري أشهر من أن يعرف، والقلعة على جانب كبير من الأهمية والخطورة والمنعة، وتعبير ابن بطوطة عن القلعة بالخطورة يتناول خطورة المكان بمعنى البعد الاستراتيجي الخطير لهذا المكان على خارطة الأحداث الماضية والقادمة، كما يتناول خطورة البناء بمعنى البعد العمراني والهندسي الذي اتبع في تأسيس القلعة وبنائها، وإنني أرى استقراء ابن بطوطة –الذي جاب البلاد- لصفحات من الزمان في أهمية القلعة وخطورتها في الأحداث.
رابعاً: النهر العذب: وهو يشق المدينة، وماؤه كثير عذب طيب، ومن المعلوم إلى وقت قريب أن وادياً كان يأتي من الجهة الشمالية لمدينة عجلون وآخر يأتي من الجهة الشرقية، فقد يكون الملتقى لهما هو ذلك النهر الذي قصده ابن بطوطة إذ لا احتمال غير ذلك، وخاصة أنه يشق المدينة، وآثار الوادي باقية من الجهة الجنوبية للمسجد الجامع، ويعد هذا النهر من روافد نهر الأردن، إلا أنه تلاشى في الوقت الحالي.
تلك هي أوصاف عجلون عند الدمشقي وأبي الفداء وابن بطوطة التي فيها نوع تفصيل، وأظن أن الأوصاف عند غيرهم لا تخرج عن الأوصاف السالفة الذكر، مع أن بعض المؤرخين وصفها وصفاً عاماً دون الإتيان بالجزئيات.
5- ذكر العلامة القلقشندي في كتابة – صبح الأعشى في صناعة الإنشا(8) - عجلون عند ذكره لمدينة السلط حيث قال: -وهي بلدة لطيفة من جند الأردن في جبل الغور الشرقي في جنوب عجلون على مرحلة منها، فهو قد عرف بلدة السلط بعجلون، كما عرف غيره كثيراً من المناطق والبلدان بعجلون، ولا عجب فإن قلعة عجلون أعطت بصمة واضحة لمدينة عجلون وجبالها على صفحات التاريخ.
6- ذكر العلامة ابن شاهين الظاهري المتوفى عام 872هـ: 1467م في كتابه –زبدة كشف المماليك- المدينة بقوله: وأما مدينة عجلون فلها قلعة وإقليم يشتمل على عدة قرى، وهي جبال وأودية(9).
وكلام ابن شاهين يدل على مدنية عجلون وعمرانها، وعلى كثرة قراها، واشتهارها بالقلعة إلا أنه أتي بوصف جديد اسمه الإقليم، ثم بين أنه مجموعة من القرى المنتشرة في الأودية والجبال.
ب- شهرة عجلون لدى الرحالة والمؤرّخين المتأخّرين:
أما الرحالة المتأخرون فقد جاء وصفهم بما وصف به المتقدمون، لكن من المحبب أن نعرف بعض الشيء عن أوصاف البلاد عندهم، أو أقوالهم فيها قبل مائة عام على الأقل، وأترك الحديث عن الجبال في الفترات المتأخرة الحاضرة، لأنه حديث واسع والدراسة فيه مستفيضة، والناس قد يعرفون أشياء لم تسطر في كتاب عن أحداث الجبال ووقائعها، وهو يحتاج إلى جهد كبير لجمعه من صدور الناس، ثم إن هناك معلومات مسجلة في مظانها من السجلات والوثائق والكتب.
- الدكتور سيلاه مرل(Selah Merril) : يصف الرحالة الغربي الدكتور سيلاه مرل عجلون عام 1877م بقوله: قضينا وقتاً ممتعاً في وادي اليابس الذي يسميه البعض الوادي الأخضر، ولكن وادي عجلون أكثر جمالاً بسبب اتساعه وكثرة ينابيعه، ومنظر الوادي عند قرية عين جنة يجعله من أجمل الأودية في سورية كلها، وتوجد ثلاث قرى مزدهرة عجلون وعنجرة وكفرنجة، وتكثر الخرائب الأثرية في هذا الوادي مما يدل أن هذه الجهة كانت حافلة بالقرى أو المدن في العصور القديمة، وقد رأيت بستاناً فيه أنواع الأشجار المثمرة، وتكثر الطواحين في الوادي، وقد عددت اثنتي عشرة طاحونة(10).
وكان الرحالة الغربي قد مر بوادي اليابس عام 1876م فوصفه بقوله: وبعد هذا انحدرنا في وادي اليابس، وكانت هذه الرحلة أكثر إمتاعاً من أي رحلة أخرى قمت بها في هذه البلاد، فجمال المناظر يبلغ حد الروعة، وهنا تبدو الطبيعة على سجيتها خاصة عندما يصل المرء إلى حيث ترتفع الصخور عمودياً، إن قدرتي على الوصف لتعجز عن إيفاء جمال هذه البقعة حقها(11).
كما أنه وصف وادي راجب بالمياه العذبة والخرائب الأثرية، إذ جاء بقوله: ثم قطعنا وادي عجلون وبعده وادي راجب، وشاهدنا في كل منهما جدول ماء كبير، وفي طرف كل منهما خرائب مهمة(12).
ويشير هذا الوصف إلى التجمع السكاني على وادي راجب في فترة من الفترات، إذ أن البيوت المتهدمة على طرفي الوادي كثيرة، وهي مهمة، كما يشير الوصف إلى كثرة البيوت المتهدمة على طرفي وادي عجلون النازل من مدينة عجلون إلى مدينة كفرنجة، والرحالة يؤكد أن منطقة الوادي كانت حافلة بالقرى أو المدن في العصور القديمة.
ويتذكر الرحالة ليلة قضاها في قرية عين جنة بعد مغادرته مدينة جرش، إذ يقول: غادرنا جرش ومضينا شمالاً حتى وصلنا إلى قرية عين جنة، وهناك اعتزمنا أن نأخذ قسطاً من الراحة تحت أشجارها الوارفة وإلى جانب ينبوع مائها العذب... وقضينا هناك يوماً ممتعاً، وقد اجتمع حولنا عدد من الناس فتحدثنا إليهم، وكان بينهم رجل اشترك في حرب القرم، وهو شيخ متقدم في السن، ورجل آخر كان جندياً في جيش إبراهيم باشا وهو يعرف القراءة والكتابة، والناس حوله لطفاء مهذبون، وفي اليوم التالي سرنا شمالاً فمررنا ببركتي ماء واسعتين وعبرنا الطريق التي تذهب إلى قرية تبنة(13).
ويشير كلام الرحالة إلى وجو برك الماء وإلى وجود طريق موصلة إلى قرية تبنة، ولعل البرك التي يقصدها الرحالة هي البرك الموجودة في عبين وساحاتها، وأن الطريق هي التي تؤدي من مناطق عبين أو أراضي رأس منيف إلى قرية تبنة، مع أنها غير معروفة في هذه الأيام، وفي وجود البرك والطرق إشارة إلى الوجود السكاني في منطقة عبين وما حولها واشتهارها بالزراعة نظراً لوجود الماء بالإضافة إلى وقوعها على الطريق المؤدية إلى قرية تبنة التي كانت يومئذ مركزاً لعدة قرى.
والجمال الذي انطبع في نفس هذا الرحالة هو نفس الجمال الذي انطبع في نفس رحالة آخر، إذ مر الرحالة الغربي جراي هل بمناطق شرقي الأردن عام 1888م، ولما زار عجلون وصفها بقوله: اتجهنا من جرش شمالاً نحو جبل عجلون فمررنا بأراضٍ أجمل من أي أرض مررنا بها من قبل(14).
وأثناء تجوال الدكتور سيلاه مرل الرحالة الغربي في القرى الشمالية من الجبال، عرف الطريق القديمة التي كانت تربط بين طبقة فحل وجرش عبر تلال عجلون، وتيقن أن الطريق كانت تمر من طبقة فحل إلى كفرابيل إلى وادي اليابس ثم قرى باعون وعرجان وراسون أو وادي محنا ثم إلى عين جنة وأخيراً إلى جرش.
ويعد الاحتمال الذي أورده سيلاه مرل من الأمور المهمة في تاريخ جبال عجلون، إذ أن هذه المناطق كانت الممرات الدائمة للأمم السابقة، سواء في الحضارات الرومانية أو في الحضارات التي جاءت بعدها، وإذا عرفنا أن جيوش الفتح الإسلامي تمركزت في جرش مرة وفي طبقة فحل مرة أخرى في إحدى الفترات التي مرت عليها أثناء جهادها مع الروم، فيمكن القول أن الطريق المارة بتلال عجلون هي الطريق التي ربطت بين مركزي جرش وطبقة فحل.
ولا يفوتنا أن نبرز الانطباعات والصور لدى الرحالة الغربيين عن جبال عجلون قبل أكثر من مائة عام تقريباً، الانطباعات التي تكونت من جمال المناظر التي لم يشاهدوا مثلها في البلاد كلها، والصور الجميلة التي التقطوها من البساتين الوارفة والمياه الجارية والمباني الأثرية والجبال المرتفعة والأودية المتعرجة، كما التقطوها من ظرافة الأهل ولطف الناس وأخلاق الساكنين.
4- هوامش البحث ومراجعه:
(1) نجم الدين الغزّي، الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة 1/287.
(2) المرادي، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر 1/259.
(3) انظر الغزّي، الكواكب السائرة. السخاوي، الضوء اللامع.
(4) الدمشقي، نخبة الدهر في عجائب البر والبحر ص 200.
(5) أبو الفداء، تقويم البلدان ص 245.
(6) انظر في الكواكب السائرة للغزّي، والضوء اللامع للسخاوي.
(7) أبو عبد الله الطنجي المعروف بابن بطوطة، تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ص 57.
(8) القلقشندي، صبح الأعشى 4/106.
(9) نقلأً عن كتاب أهل العلم والحكم في ريف فلسطين، أحمد الخالدي ص 19.
(10) في ربوع الأردن، تعريب سليمان موسى ص 73.
(11) في ربوع الأردن ص 39.
(12) في ربوع الأردن ص 40.
(13) في ربوع الأردن ص59.
(14) في ربوع الأردن ص 191.