ضمن برنامج (حكاية مكان) الذي أطلقته وزارة الثقافة مؤخرا نظمت مديرية التراث في الوزارة يوم الخميس 13/1/2022 المسار التراثي السياحي الثالث الذي خُصص هذه المرة لزيارة مدينة السلط وموقع المغطس باعتبارهما من أهم مواقع التراث الإنساني الديني والثقافي على المستويين المحلي والعالمي، ومقصدا سياحيا هاما ومثالا للوئام الديني في أرض الأنبياء.
في السلط تحارُ العين كيف تحيط بهذا القدر من الفن والجمال! فأينما ولّيت وجهك فثمة حِليةٌ أو باب قديم، أو شباك موشى بالزجاج الملون، أقواسٌ، وأعمدةٌ، والأصفر هو سيد المدينة، والطراز المعماري يفرض هيبته على الزائر، خالقا ألفة غريبة، ورغبة بالمشي دون توقف بين أزقتها، أما الأدراج؛ شرايين السلط التي تصل بين الجبال وقلب المدينة بانسيابية.
"ساحة العين" كانت نقطة انطلاق المسار الذي شارك به مجموعة من الإعلاميين والفنانين والكتاب وممثلي مديرية التراث ومديرية ثقافة السلط وعدد من المسؤولين والمعنيين بمجال التراث والسياحة الثقافية، وأبناء المجتمع المحلي، وعن سبب تسمية الساحة بهذا الاسم قال الدليل السياحي المرافق للمسار حسام عربيات: تنسب الساحة إلى عين ماء كانت تتجمع فيها المياه المنبثقة من سفح جبل القلعة الجنوبي، وتتصل بسرداب "قلعة السلط" وتمر بمحاذاة مسجد السلط الكبير. وكانت هذه الساحة قديما تضم؛ (عين النسوان)، و(عين الزلام)، و(عين الدواب).
ولهذه الساحة أهمية تاريخية لموقعها الاستراتيجي في قلب السلط الذي يجمع بين ملامح الماضي والحاضر، وقد اعتاد بعض كبار السن من أبناء المدينة وممن عاصروا بدايات نشأتها وتطورها الاستمتاع بالجلوس في هذه الساحة للسمر وتبادل الأحاديث، وقد التقى المشاركون بعدد منهم أثناء ممارستهم للعبة "المنقلة" الشعبية التي تشتهر بها مدينة السلط.
متحف/ بيت أبو جابر
ومن الساحة واصل المشاركون الـ (35) مسيرهم باتجاه متحف/ بيت أبو جابر وهو أحد أبرز البيوت التراثية في وسط مدينة السلط العريقة المُشرفة على ساحة العين، ويعود تاريخه إلى أواخر القرن التاسع عشر، يعرض المتحف تاريخ السلط وثقافتها وفولكلورها في فترة ازدهارها منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين (1847-1918)، وبمساحة إجمالية 1.242 مترا مربعا.
وهناك قدّم مدير سياحة البلقاء محمود عربيات نبذة عن خطة تطوير السياحة في السلط بالشراكة مع مؤسسات الدولة ذات العلاقة وعلى رأسها وزارة الثقافة؛ وأهمية التشاركية في هذا المجال خاصة بعد إدراج السلط (مدينة التسامح والضيافة الحضرية) على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
كما شاهد المشاركون "فيديو" توثيقي ترويجي لأهم معالم السلط (المدينة المتحف)، قبل التوجه إلى المحطة التالية.
شارع الحمام
وهو سوق تراثي قديم يقع في وسط المدينة، ويمتد قرابة 280 مترا داخل البلدة القديمة، تم إنشاؤه في نهاية القرن التاسع عشر، وقد سُمي بهذا الاسم نسبةً إلى وجود حمام تركي في وقت متأخر من ثلاثينيات القرن العشرين. يُذكر أن بلدية السلط بدأت بتبليط أرضية السوق بالحجر الأبيض المدور اعتبارا من سنة 1923. وهو اليوم جزء من مسار السلط التراثي الذي تم استحداثه في 2010.
وتضمن المسار زيارة كنيسة اللاتين وهي من أهم وأقدم الكنائس في السلط، بناها الأب يوسف جاتي عام (1886)، وفيها مدرسة دير اللاتين.
ثم سار المشاركون في شوارع السلط القديمة باتجاه متحف آثار السلط المقام في:
بيت طوقان
بُني بيت آل طوقان منذ أكثر من 100 عام لعائلة طوقان، ويعتبر من أهم التحف الفنية المعمارية في السلط (المدينة المتحف)، ويضم اليوم القطع الأثرية الواردة من الحفريات الأثرية التي أجريت معظمها في محافظة البلقاء، وتعود إلى الفترات التاريخية من العصر الحجري النحاسي حتى الفترات الإسلامية.
وعلى مقربة من المكان تناولت المجموعة طعام الإفطار في أحد البيوت التراثية القديمة التي تم تحويلها إلى مطعم مع الحفاظ على الطابع التقليدي للمكان، وتأهيله لتقديم الخدمة للزبائن في أجواء مميزة. كما تناول ضيوف المسار في نهاية البرنامج طعام الغداء الذي امتاز بطابعه التراثي المحلي في بيت آخر من بيوت السلط القديمة الذي تم تحويله إلى مطعم سياحي.
شارع وكنيسة الخضر
صعد المشاركون إلى كنيسة الخضر عبر الشارع الذي يحمل ذات الاسم. وهو من أقدم شوارع مدينة السلط، ويمتد من ساحة العين (ساحة السلط الرئيسية) صعودا حتى يصل إلى كنيسة الخضر.. ثم نزولا حتى يلتقي بشارع الميدان.
والكنيسة أرثوذكسية تم بناؤها على مغارة أثرية في الفترة العثمانية وتحديدا عام 1682، وأُعيد ترميمها عام 2004، وقد تم تسميتها نسبةً إلى الخضر، وفيها استقبل الأب مروان طعامنة المشاركين وقدم لهم نبذة عن تاريخ الكنيسة وأهميتها.
مدرسة السلط الثانوية
على قمة تل الجادور تتربع أم المدارس؛ مدرسة السلط الثانوية وهي أول مدرسة ثانوية حكومية في الأردن، تأسست برغبة من أهالي المدينة وبنيت بتعاون جميع أهالي السلط بتبرعات عينية ونقدية، ووضع الأمير عبدالله بن الحسين حجر الأساس للمدرسة بتاريخ 12/5/1923، واستمر العمل فيها حتى نهاية 1925. وقد كانت قبل ذلك التاريخ تتخد من بيوت أهالي السلط مقرا لها فتنقلت منذ عام 1919 بين منزل الرهوان، ومنزل عبدالله الداؤود، ومنزل رشيد المدفعي، وبستان أبو رصاع، ومنزل فوز النابلسي.
وقد خرّجت مدرسة السلط عددا كبيرا من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، والسياسيين في الأردن.
ضريح النبي شعيب
اشتمل المسار على زيارة ضريح النبي شعيب الذي يقع في وادي شعيب جنوب مدينة السلط، وهو عبارة عن مسجد فيه قبرٌ يُنسب للنبي شعيب، ويُعد من المواقع الأثرية المهمّة في الأردن، وأحد أشهر المقامات الدينية استقطابًا للزوّار في الأردن.
وفي الطريق إلى موقع المغطس أدى ضيوف المسار الفنانين حسام ووسام اللوزي بمشاركة الفنان والمخرج حسين طبيشات ومرافقة الفنان بهاء الحياصات على العود مجموعة من الأغاني الوطنية والتراثية القديمة التي تفاعل معها المشاركون بأجواء من الحماسة والفرح.
المغطس
وهو المكان الذي تعمد به يسوع (عيسى عليه السلام) على يد يوحنا المعمدان حسب المعتقدات المسيحية، ويحتوي المغطس على بقايا كنائس أثرية قديمة وبعض الكهوف الواقعة بالقرب من هذه الكنائس والتي كانت مناسك للرهبان، وكنائس جديدة مفتوحة للعبادة لغاية الآن.
ومن جهته قال مدير عام هيئة المغطس المهندس رستم مكجيان "إن موقع عُمّاد السيد المسيح "المغطس" يُمثل قيمة إنسانية وحضارية ودينية عالية، ويحمل رسائل محبة ووئام بين جميع الأديان، ونحن في الأردن حريصون على الحفاظ على هذا الموقع كما كان في عهد الأنبياء وكما تم وصفه دون التدخل في طبيعته "البرية" الأصلية. مؤكدا أن تسجيل الموقع على قائمة التراث العالمي عام 2015 قد رسخ بشكل أكبر قيمة الموقع على خارطة السياحة الدينية العالمية".
نهر الأردن
وفي نهاية المسار حظي المشاركون بالوقوف على ضفة نهر الأردن وملامسة مياهه المقدسة بأيديهم، وعيونهم تلتمع بلهفة المشتاق للقريب البعيد وهم ينظرون إلى الضفة الغربية للنهر حيث فلسطين المحتلة، بينما كانت طيور "المينا" والحمام البري وعصافير الدوري تطير متنقلة بين ضفتيه دون اكتراث.
كتابة وتصوير: إيمان مرزوق