عمون - من إيمان مرزوق - لا شيء مثلهما "المشي والحكايات".. والمكان ثالثهما، وعليهم يُرفع قِدْرُ التراث البشري.. بمكوناته المتنوعة.. وأيُّ طبقٍ شهي!.. تُقدمه وزارة الثقافة/ مديرية التراث بالتعاون مع وحدة شؤون المحافظات ومديريات الثقافة في المحافظات ضمن احتفالاتها الاستثنائية بمئوية الدولة بشكل واعٍ وذكي لدورها في توجيه بوصلة "الثقافة المجتمعية" عبر برنامجها الجديد (حكاية مكان). المُتمثل بتنظيم مسارات تراثية ثقافية مشيا على الأقدام في مختلف محافظات المملكة بهدف التعريف بالإرث الثقافي الإنساني، والحفاظ عليه، والتفاعل مع مكوناته على أرض الواقع بما فيها من معالم ملموسة مادية، وغير مادية مثل العادات والتقاليد والحكايات الشعبية، والتشارك في صنع تنمية حقيقية لأبناء المجتمع المحلي اقتصاديا ومعرفيا، من خلال دعم منتجاتهم ومشاريعهم وتسليط الضوء على تجاربهم الدؤوبة في هذا المجال، وفي المقابل تنمية الحس الوطني والجمالي والمعرفي لدى المشاركين في هذه المسارات التي توفر لهم فرصة الالتقاء بإخوانهم من المحافظات الأخرى، والتعرف عن قرب على موروثهم، ومشاهدة مواقع كثيرة جديدة ربما لم يسمعوا عنها من قبل، ونشر تجربتهم هذه كلُّ في محيط تأثيره.
وقد اختارت وزارة الثقافة مادبا لتُدشِّن بها برنامج (حكاية مكان) حيث انطلق يوم الخميس 4/11/2021 المسار الأول بمشاركة مجموعة من المثقفين والكُتاب والإعلاميين والفنانين والمهتمين بالتراث الثقافي، وعدد من ناشطي (السوشال ميديا) من مركز زوار مادبا بحضور مدير مديرية التراث في وزارة الثقافة فراس المصري، ومدير ثقافة مادبا محمد الفساطلة. ورحب مدير سياحة مادبا وائل الجعنيني بالمشاركين وأشاد بفكرة البرنامج، وقدم نبذة عن مادبا وعن اختيارها لتكون "عاصمة السياحة العربية لعام 2022". وانضمامها إلى شبكة المدن المبدعة عن فئة الحرف اليدوية لعام 2017، بعد حصولها على لقب المدينة الحرفية العالمية عام 2016.
وأثرى الكاتب والباحث حنا قنصل ابن مادبا وعاشقها المسار من خلال الشرح المفصل عن معالم مادبا الأثرية والتراثية والدينية التي غطاها البرنامج انطلاقا من مركز الزوار (الذي يتخذ من بيت البجالي التراثي مقرا له وهو مثال جيد لبيت العائلة التقليدي في مادبا والذي كان سائدا في الفترة العثمانية المتأخرة). مرورا بالحديقة الأثرية التي تضم عدة معالم أثرية منها: كنيسة العذراء (700ميلادي)، قاعية هيبوليتوس، كنيسة النبي إيليا وقبو القديس إليانوس، وجزء من الشارع الروماني الذي يعود إلى نهايات القرن الثالث الميلادي، والقصر المحترق، وكنيسة الشهداء. إضافة إلى زيارة الشارع السياحي الذي يربط بين أهم المعالم السياحية التراثية، ويقدم للزائر فرصة للتمتع بالمنتجات المحلية اليدوية والتراثية التي تعكس ثقافة المدينة، وزيارة معهد مادبا لفن الفسيفساء والترميم التابع لجامعة البلقاء التطبيقية حيث قدم عميد المعهد د. أحمد العمايرة شرحا وافيا عن أهمية المعهد والدور الذي يقوم به من خلال تخريج شباب عالي الكفاءة والمهنية كونه المعهد الوحيد على مستوى العالم الذي يمنح درجة الدبلوم الشامل في فن وترميم وصيانة الفسيفساء.
والتجول في كنيسة الخارطة (كنيسة القديس جورجيوس للروم الأرثوذوكس) التي تحتوي أرضيتها الفسيفسائية على وثيقة تاريخية تجسد مدينة القدس ونهر الأردن والبحر الميت.
وضمن مسار حكاية مكان تمت زيارة كنيسة دير اللاتين (مزار قطع رأس يوحنا المعمدان) المقامة على أعلى تل في مادبا، وحظيت المجموعة بالتعرف على أبناء مادبا ورجالاتها ومبدعيها أمثال روكس العزيزي، وبيّن الباحث حنا قنصل الدور الثقافي الذي لعبته مدرسة اللاتين التي أُنشئت عام 1882 في التأسيس لنواة الحركة المسرحية في الأردن. وكانت مشاهدة الأقبية والأنفاق الأثرية المؤابية تحت الكنيسة برفقة الباحث حنا قنصل، والصعود إلى "جَرَسيّتها" عبر السلالم الحديدية المعلقة تجربة فريدة ومدهشة، حيث ترى مادبا مدينة الحب والتآخي والتسامح من أعلى نقطة فيها لوحة مفتوحة على الأفق تتجاور فيها الكنائس مع مآذن مسجد الحسين بن طلال وقبته الذهبية، يقول قنصل معبرا عن هذه المعاني "كانت طيور الحمام تهرب من "جرسية الكنيسة" عندما تُقرع الأجراس وتذهب لتحتمي بمئذنة الجامع، وعندما يُرفع الأذان فيه تطير مرة أخرى لتأوي للجرسية!".
ومن أهم ما أكد عليه الباحث حنا قنصل أن الإرث الفني والمعماري في المدينة قد بني بيد الفنانين المحليين، أبناء مادبا وهو ما توثقه الأسماء الواردة بشكل صريح مثل اسم "سلمانيوس المادبي).
وشمل المسار التراثي زيارة جبل نيبو وكنيسته الشهيرة المطلة على أراضي فلسطين المحتلة، وبالقرب منه كانت محطة المسار الأخيرة؛ زيارة لمتحف الحكاية التراثي (لاستوريا) وجولة مكثفة تختصر حكايات الإرث الإنساني والتاريخ الحضاري والديني للمنطقة، من أقدم العصور وحتى يومنا هذا.
وبحسب البيان الصادر عن وزارة الثقافة بهذا الخصوص فأن المسار التراثي الثاني في برنامج حكاية مكان سيقام في محافظة الطفيلة في الثامن عشر من الشهر الحالي، وسيتضمن زيارة قرية ضانا التراثية، وشجرة الطيار، وقرية آدوم بصيرا، ومقام الصحابي الجليل الحارث بن عمير الأزدي، وقلعة السلع/ مدينة العين البيضاء ومخيم الرمانة.