من علماء عجلون في العصر العثماني "الإمام العجلوني الجرّاحي"

5:6:2 من علماء عجلون في العصر العثماني

 الإمام العجلوني الجرّاحي

مُحدّث، ومُفسّر، ومُؤرّخ، ونَحْوِيّ  

إعداد

الدكتور نوح مصطفى الفقير

 

 

  المحتويات

 - المقدمة.

- حدود عجلون في فترة الدراسة.

- سبب اختيار البحث.

 المطلب الأول: اسمه وكنيته ومولده وبيئته ونشأته.

 المطلب الثاني: حياته العلمية تعلّمه وشيوخه وتعليمه وتلاميذه .

 المطلب الثالث: العجلوني الجراحي بين العلماء.

 المطلب الرابع: وفاته وآثاره.

- الخاتمة والتوصيات.

- المراجع.

 

 

 

الإمام العجلوني الجرّاحي

- المقدمة:

      الحمد لله؛ ربّ العالمين؛ الذي فاضل بين البشر؛ فاختار المسلمين، وفاضل بين المسلمين فاختار الأنبياء والعلماء العاملين؛ فقال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}[1].

     والصلاة والسلام على سيدنا محمد e المبعوث رحم للعالمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

    وبعد؛

 

    فإن العلماء ورثة الأنبياء، وحاملو علم الشريعة الغراء، ومن هؤلاء النخبة العلماء كان الشيخ إسماعيل العجلوني الجرّاحي؛ الذي عاش في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين، الموافقين للقرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين؛ وبرز منذ صغره بحلّة العلماء، وكثر عليه المدح والثناء، فرحل في طلب العلم إلى الشام، كما كان يرحل سائر الأردنيين، وجلس يطلب العلم على الركب أمام الفحول الميامين؛ وتعلّم الفروع والأصول، ونهل من خبرات السالفين الصالحين،  فبرز في الشام كأنما في روضة من العلم غنّاء، وأضفى على العلوم الشرعية لذاذة وهناء، وما زال طلاب العلم ينهلون من معين نبعه نقيّاً لم يتغيّر، وصافياً لم يتعكّر، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

 

     وما زال يفتّش ويقمّش حتى زخرت مكتبته بالنفائس، وجلس تحت قبة المسجد الأموي بدمشق على أفضل الطنافس، ودأب يعلّم طلاب العلم أشرف العلوم وأدقّ الفهوم، فأثنى عليه طلابه، وأضفى على مجلسه العلمي مهابة وفضلاً، فكان أهل مجلسه بالعلم والوقار مسرّة للناظرين،  فتبارك الله أحسن الخالقين.

 

     واليوم بعد قريب من ثلاثة قرون وقد طلعت شمس الثقافة في عجلون[2]، وبدأنا نفتش عن أصحاب الهمم العالية من السابقين؛ وقد وجدنا الكثير؛ كما فاتنا الكثير، ولاح في الأفق علماء عجلون السابقون، فتسابق المتشوّقون لمعرفة المزيد، ومواكبة الجديد، فوقفوا على خير كثير وعلم وفير، وظهر ليَ نجم العجلوني الجرّاحي؛ الذي أبى وهو في الشام إلا أن ينتسب لمسقط رأسه عجلون، وزاد في النسبة شرفاً بأنه نسب نفسه إلى الصحابي الجليل أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه، الذي لا يبعد ضريحه الطاهر عن مدينة عجلون إلا قليلاً؛ وفي التاريخ مردّ تلك المنطقة إلى حدود عجلون، وفيما يلي بيان تلك الحدود.

 

حدود عجلون في فترة الدراسة:  ذكر ابن شداد[3] صاحب كتاب (الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة)؛ قلعة عجلون؛  فقال: (هي بين بلد السواد - من أعمال الأردن - وبين بلاد الشراة، مُحدثة صغيرة على جبل مطلّ على الغور، تُرى من القدس ومن جبال نابلس، والجبل التي هي مبنية عليه يعرف بجبل عوف؛ لأنه كان ينزله قوم من بني عوف، في أول ولاية الخلفاء المصريين)[4]، ثم ذكر ابن شداد في الكتاب نفسه حدود ولاية عجلون في التاريخ؛ فقال: (وحدود جبل عوف من القبلة – الجنوب- وادي الزّرقاء - سيل الزرقاء -  الفاصل بين بلد  عجلون وبين بلد الصلت – السلط - فكل ما هو في قبليه – جهة القبلة-  فمن عمل الصلت، وكل ما هو من شماليه من عمل عجلون، ومن الشرق ينتهي بعضه إلى بلاد تعرف بالحبابية[5] من أعمال عجلون، وليست من جبل عوف، ولكنها داخلة في الولاية، وتمام الحد المذكور بلاد السواد، ومن الغرب الغور، ومن الشمال بلد السواد[6])[7]، والحاصل أن مقام أبي عبيدة رضي الله عنه كان ضمن حدود عجلون؛ فهي ضمن الأرض المباركة بكونها حول المسجد الأقصى، فحق له أن ينتسب للجراحي رضي الله عنه بهذا الاعتبار.

 

سبب اختيار البحث:  لقد تشرفت بالانتساب إلى عجلون؛ لأنّي ولدت في إحدى قراها- الهاشمية- بتاريخ 14/10/1958م؛ وما زلت أعتّز بأجدادي العجلونيين، ولقد وجدت نفسي مع الشيخ إسماعيل العجلوني الجرّاحي،؛ أحلّق معه في الآفاق، وأفتخر به كما افتخر أهل الشام، وأتشبث بجوانب سيرته العطرة بين العلماء، حتى وصفوه بأنه (المفسّر المحدّث، والمُؤرّخ، والنَحْوِيّ، والجرّاحي)؛ فهنيئاً للعلم به وبأمثاله، وطابت ديرة عجلون عامرة.

 

 

 

مسجد وضريح أبي عبيدة في الأغوار الوسطى

المطلب الأول: اسمه، وكنيته، ومولده، وبيئته، ونشأته:

أوّلاً- اسمه: إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني؛ ويقال: إسماعيل بن شريف، وهو خطأ، والصواب أنه ابن محمد[8].

     قال المرادي[9]:  (سمّاه والده أولاً باسم محمد؛ مدة من الزمان لا تزيد على سنة، ثم غيّر اسمه إلى مصطفى نحو ستة أشهر، ثم غيّر اسمه  بإسماعيل، واستقر الأمر بهذا الاسم، وقد أشار إلى ذلك العارف الأستاذ الشيخ مصطفى الصديقي[10] من جملة أبيات قرّض بها على كتابه "كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" بقوله:

           

 حرس الإلهُ بفضلهِ مُنْشيِهِ[11] مِن

                                           كلِّ  المضارِّ وصانه  ولَه  كَفَى

 وهو الذي سُمّي محمدَ  أوّلاً

                                           وبمدةٍ   أخرى   تسمَّى مصطفى

 مِنْ بعد ذا سُمّي بإسماعيل لا

                                          برِحَتْ له ترنو عيونُ الإصطِفا[12]

ثانياً-  كنيته: أبو الفداء.

ثالثاً-  لقبه وشهرته: العجلوني الجراحي؛ والجراحي نسبة إلى أبي عبيدة بن الجراح أحد الصحابة العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم[133]، قال الإمام العجلوني في أول ثبته المسمّى "حلية أهل الفضل والكمال باتصال الأسانيد بكمّل الرجال": (اشتهر في بلادنا وبلاد عجلون أن أهلنا من ذرية أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، والله اعلم بالواقع)، ولم تزل عشائر الجراح في عجلون وإربد يفتخرون بنسبتهم إلى الصحابي الجليل رضي الله عنه إلى يومنا هذا، والناس أمناء على أنسابهم. 

رابعاً-ولادته مكاناً وزماناً:ولد بعجلون،عام سبعة وثمانين بعد الألف الأولى الهجرية 1087ه ـالموافق لعام ستة وسبعين وستمائة بعد الألف الأولى الميلادية -1676 م –[14].

        والظاهر من ترجمة حياته أن بيئته علمية، وأن عائلته متديّنة؛ لأن والده فرح لرؤيا رآها ولده إسماعيل؛ أوّلها بأنه سيطلب العلم، وسيلبس لباس العلماء، كما سيأتي في سبب طلبه للعلم الشريف، ولولا التديّن المركوز في قلب العائلة لمّا أسهمت في رفع قدره، وحثّته على العلم الذي يرتفع به صاحبه، ويعلو قدره بين الناس.

 

خامساً- الحياة الاجتماعية في عجلون في عصره:

-   بداية القرن الحادي عشر الهجري كان الأمير حمد ابن رشيد شاباً؛ وكان ريان الهزّة من ماء الشباب، مقتدحاً زناد العزمة، وكان ممن أجرى جواد همته في ميدان الشجاعة، فحاز قصب السبق في الفروسية والبراعة، ثم انتقلت به مناصب الجند بالشام حتى صار قائد العسكر سنة سبع وستين وألف 1067هـ/1654م، كانت الغلبة في معاركه؛ فاشتهر بالفروسية، وعلا صيته، ثم وجهت إليه الإمارة ببلاد عجلون، فاستقام بها أميراً سنين، وأحسن العشرة مع أهلها، فعمرت في زمنه، وانتظم أمرها، وكان له مع عرب البوادي حسن ملاءمة ومعاشرة، ولهم إليه انجذاب وانعطاف، وتوغل في الميل إليهم حتى صار لا ينطق إلا بلسانهم، ولا يتزيّا إلا بزيهم[15].

 

-    وفي سنة 1134 هـ/1721م توجه إبراهيم باشا الكردي إلى عجلون، وولي أمر عجلون حسين بن فخر الدين بن قرقماس، المعروف بابن معن؛ أحد رؤساء الدولة العثمانية المشهورين بالمعارف والبيان والفضائل والإتقان، كان عارفاً متقناً لأمور الدولة مفنناً بالأدب يغلب عليه التقوى والصلاح، كان والده فخر الدين أميراً مشهوراً من طائفة كلهم أمراء، وبعد موت أبيه وعلا صيته وشأنه، وتدرج إلى أن جمع جمعاً كبيراً واستولى على بلاد كثيرة[16].

 

-   وفي القرن الثاني عشر الهجري ولي أمر عجلون حسين بن حسن تركماني، وهو أحد كبراء الجند بدمشق وأعيانهم، الأمير السخي الجواد، الممدوح كان من رؤساء الأجناد والكبراء، وكان موصوفاً بأحسن الأوصاف، ومنعوتاً بأجمل الأخلاق، يكرم الأفاضل والأدباء بالجوائز الحسنة، ومع هذا كان عالي الشأن والقدر، واشتهر وشاع صيته هو وأسلافه في الرياسة، وكانوا في الجملة زينة المواكب، وطنت حصاتهم في الآفاق، وأعطاهم الله القبول حتى نالوا وكثرت دولتهم، ولم يزالوا في عز وجاه حتى فاق لهم الزمان، وغدر بهم وفاجأهم بالمحن والرزايا، ونسخ آياتهم ورض بنيان عزهم ومجدهم، وتولى إمارة عجلون وفوضت إليه حكومتها[17].

 

         ولقد زخرت الشام بالعلماء العجلونيين، والذي يدّلنا على وجود المدارس العلمية في عجلون أن العجلوني كان يقرأ في الكتّاب، ورأى مناماً حسنا[18]، فسُرّ والده، فعائلته عائلة علم وفهم، وهكذا ما زال العجلونيون يتقدمون في كثرة العلماء، ووفرة الشهادات العلمية إلى يومنا هذا.

    وأما طبيعة عجلون فهي خلاّبة، خضراء تسرّ الناظرين، وهي مشهورة بكثرة مياهها، واخضرارها، وجمالها، يتغنّى بذلك الشعراء، وتتوق إلى السكن فيها أنفس الملوك والأمراء.

 

المطلب الثاني: حياته العلمية، تعلّمه، وشيوخه، وتعليمه، وتلاميذه .

أولاً: سبب طلبه للعلم ورحلته إلى دمشق: تناقل العلماء من بعده سبب طلبه للعلم؛ وأنه لرؤيا رآها؛ ففي سلك الدرر في أعيان القرن  الثاني عشر قال المرادي: (لما بلغ سنّ التمييز شرع في قراءة القرآن العظيم حتى حفظه عن ظهر قلبه في مدة يسيرة، ثم قدم إلى دمشق وعمره نحو ثلاثة عشر سنة تقريباً لطلب العلم، وذلك في منتصف شوال سنة ألف ومائة، واشتغل على جماعة أجلاء بالفقه والحديث والتفسير والعربية وغير ذلك، إلى أن تميّز على أقرانه بالطلب، ومن أسباب توجهه إلى طلب العلم أنّه لما كان في بلاده وكان صغيراً يقرأ في المكتب رأى في عالم الرؤيا أنّ رجلاً ألبسه جوخة[19] خضراء؛ مركّبة على فرو أبيض؛ في غاية الجودة  والبياض، وقد غمرته؛ لكونها سابغة على يديه ورجليه، فأخبر والده بالمنام، فحصن له بذلك السرور التام، وقال له: إن شاء الله يجعل لك يا ولدي من العلم الحظ الوافر، ودعا له بذلك)[20] أ.ه؛ لقد كان متميزاً بسرعة الحفظ والإتقان، مستجيباً لتلقي العلوم بكفاءة واقتدار؛ فتميّز عن أقرانه بالطلب، وقيضه الله تعالى ليذب عن الشريعة المطهرة، وينفي تدليس المدلسين، ووضع الوضاعين.

 

ثانياً: شيوخه:  إن مشايخه كثيرون؛ قال المرادي: (ألّف كتاباً في أسماء شيوخه سمّاه: "حلية أهل الفضل والكمال باتصال الأسانيد بكُمّل الرجال"، وترجم لمشايخه به) [21]، وفي كتاب "نعمة المنان في أسانيد شيخنا أبي عبد الرحمن[22] ذكر مؤلفه محمد بن غازي بن داوود القرشي البغدادي شيوخ العجلوني[23].

 

         فمن مشايخ إسماعيل العجلوني المشهورين من الدمشقيين ومن غيرهم[24]:

  1. الشيخ أبو المواهب مفتي الحنابلة بدمشق.
  2. الشيخ محمد الكاملي الدمشقي.
  3. الشيخ إلياس الكردي نزيل دمشق.
  4. الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي.
  5. الشيخ يونس المصري نزيل دمشق.
  6. الشيخ عبد الرحمن المجلّد الدمشقي.
  7. الشيخ عبد الرحيم الكابلي الهندي نزيل دمشق.
  8.  والشيخ أحمد الغزي الدمشقي.
  9.  مفتي دمشق الشيخ إسماعيل الحائك.
  10. الشيخ نور الدين الدسوقي الدمشقي.
  11. الشيخ عثمان القطان الدمشقي.
  12. الشيخ عثمان الشمعة الدمشقي.
  13. الشيخ عبد القادر التغلبي الحنبلي.
  14. الشيخ عبد الجليل أبي المواهب.
  15. الشيخ عبد الله العجلوني نزيل دمشق.
  16. الشيخ محمد الخليلي المقدسي.
  17. الشيخ محمد شمس الدين الحنفي الرملي.
  18. الشيخ عبد الله بن سالم المكّي البصري.
  19. الشيخ تاج الدين القلعي مفتي مكة.
  20. الشيخ محمد الشهير بعقيلة المكّي.
  21. الشيخ محمد الوليدي.
  22. الشيخ محمد الضرير الإسكندراني المكّي.
  23. الشيخ يونس الدمرداشي المصري ثم المكّي.
  24. الشيخ أبو طاهر الكوراني المدني.
  25. الشيخ أبو الحسن السندي ثم المدني.
  26. الشيخ محمد بن عبد الرسول البرزنجي الحسيني المدني.
  27. الشيخ أحمد النجلي المكّي.
  28. الشيخ سليمان بن أحمد الرومي واعظ أيا صوفية.

 

ثالثا:    تدريسه صحيح البخاري في الجامع الأموي تحت قبة النسر:  درّس المحدث الإمام إسماعيل العجلوني صحيح الإمام البخاري في الجامع الأموي في وسط مدينة دمشق، وهو من المساجد المشهورة، ودرّس في مكان مشهور في المسجد تحت قبة النسر[25]، وهو مكان فسيح في الجامع؛ لا يتصدّر للتدريس فيه إلا العلماء الذين كُثر تلاميذهم.

        ولا يغيب عن البال أن التدريس تحت قبة النسر كان لعلوم كثيرة؛ أهمها علوم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ولذلك لا يؤذن بالتدريس إلا للعلماء وبإذن من الدولة العليّة العثمانية آنذاك؛ وأما قصة وصول الشيخ العجلوني للتدريس تحت القبّة المذكورة فهي أنه ارتحل إلى الروم في سنة تسع عشرة ومائة وألف هجرية (1119هـ)؛ وكان قد مضى من عمره اثنتان وثلاثون سنة، فصادف أن توفي الشيخ الذي يدرّس تحت قبة النسر، وطلبت دار الخلافة في القسطنطينية أسماء العلماء المؤهلين للتدريس في ذلك المكان المُنيف؛ فحين وصول العروض إلى دار الخلافة للدولة العلية وجهوا التدريس لإسماعيل العجلوني،  واستقام بهذا التدريس إلى أن مات،  ومدة إقامته إحدى وأربعون سنة، وبقي مستمراً على طريقة واحدة، مبجلاً بين الجميع، ولزمه جماعة كثيرون؛ لا يحصون عدداً[26].

 

رابعاً: تلاميذه: يبدو جلياً أن تلاميذ الإمام إسماعيل العجلوني كثيرون؛ وذلك أنه تبوّأ مكانة علمية مرموقة؛ أهّلته أن يجلس على كرسي العلم تحت قبة النسر في الجامع الأموي؛ فقد ورد أنه لزمه جماعة كثيرون؛ لا يحصون عدداً[27]؛ ومن أشهر تلامذته محمد بن خليل الجعفري؛ وهو من علماء عين جنة في عجلون، الأزهري، الفقيه الشافعي، العلم المبجل، ولد عام ستين وألف هجرية – 1060هـ الموافق لعام ألف وستمائة وخمسين ميلادية- 1650م-[28]، ونشأبها، ورحل في سبيل طلب العلم إلى القدس فدمشق فمصر، ودرس على مشايخ كثيرين؛ ومن أشهر شيوخه العجلوني الجراحي، وقد عُرف محمد بن خليل بالعجلونيالكبير، بذلك تمييزاً له عن ابنهالعجلوني الصغير، توفّـي العجلوني الكبير في ربيعالأوّل عام  ثمان وأربعين ومائة وألف – 1148هـ- الموافق لعام ألف وسبعمائة وخمسة وثلاثين- 1735م – ترجم لحياته العلماء ووصفوه بأوصاف حسنة[29].

 

       ومن أشهر تلاميذ الشيخ إسماعيل العجلوني الشيخ المرادي؛ قال صاحب سلك الدرر: (قرأ عليه الوالد[30] مدة ولازمه وأخذ عنه وأجازه ، ولما حج الوالد في سنة سبع وخمسين ومائة وألف -1157هـ- كان هو أيضاً حاجاً في تلك السنة، فأقرأ كتاب صحيح البخاري في الروضة المطهرة، وأعاد له الدرس الوالد، وقد أجاز الوالد نثراً ونظماً؛ فالنظم قوله:

                 

                   أجزتُ نجلَ     العارفِ    المُرادي                               

                                                           أعني     عليّاً    فازَ   بالمراد

                  وهو الشريف  اللوذعي الكامل  ألـ

                                                           أريب   والمفضالُ  ذو  الأيادي

                  أجزتُه   بكلِّ  مــا    أخذتــُه                                 

                                                          عن   الشيوخ   الفضلا  الأطواد

                  أجزتُه   بـكلِّ   مـا     صنّفتُه                                   

                                                          كالفيض  والكشف مـع الإرشاد

                  أجزتُه  بكل  مــا  في  ثبتنا الـ                                

                                                          جامع     النوعين        بالسداد

                  أجزتُه    إجازة    بشرطــــها                               

                                                          عند   أولي   التحديث     والنقّاد

                  أجزتُه   في    الروضة   الفيحاء                                 

                                                          بطيبة   المختار   طه    الهادي

                  صلّى    عليه    ربُّنا   وسلّمــا                                    

                                                           وآله     وصحبه      الأمجاد

                  ما     غردَت    قمريّةٌ   فأطرَبت

                                                           وأمطرت   سحبٌ  وسال  وادي) [31]

خامساً: مذهبه الفقهي: وُصف الشيخ العجلوني الجراحي بأنه شافعي المذهب؛ ولم يذكر أنه يخالف المذاهب الأخرى في حكم من  الأحكام المشهورة؛ مما ينفي عنه تعصبه للمذهب؛ ولكنه معذور في هذا المنهج؛ لأن سائر بلاد الشام على هذا النحو، وقد تعلّمه وعلّمه، وهو منهج محمود عند العلماء؛ حتى تكون الفتوى نابعة من واطلاع واسع.

سادساً: أدبه وشعره: قال المرادي: (كان ينظم الشعر، وشعره شعر العلماء؛ لأنهم لا يشغلون أنفسهم به كثيراً؛ كما قال ابن بسام[32]: "إن شعر العلماء ليس فيه بارقة تسام"، وجعل الشهاب أن أحسن بعض أشعارهم من قبيل دعوة البخيل أو حملة الجبان، وقال الأمين في نفحته: قلت: علة ذلك أنهم يشغلون أفكارهم بمعنى يعني، والشعر وإن سمّوه ترويح الخاطر لكنه مما لا يثمر فائدة ولا يغني[33] وشتان بين من تعاطى الشعر في الشهر مرة،  وبين من أنفق في تعاطيه عمره) [34].

      ومن شعر العجلوني الجراحي قوله من قصيدة ممتدحاً بها المولى عطاء الله قاضي العسكر في الدولة العلية العثمانية مطلعها:

 

                   أظبي الإنس عطفاً   بالتداني                                              

                                                        فقد أضرمت  نيران الجنان

                   وقد عذّبت  بالألحاظ   صبا                                              

                                                        قتيلاً   بالعيون     وبالبنان

                   وبالثغر الذي قد صار  كاساً                                             

                                                        لمختوم  الرحيق وقد سباني

                   وبالجيدِ الذي  كلجين   ماء                                              

                                                       وكالشمس  المنيرة في البيان

                   وبالقد   الذي  كالسهم   فعلاً                                            

                                                       ويشبه في التثني غصن بان

                   ترفّق يا  فريداً   في   جمال                                            

                                                       فان  الرفق  جلّابُ  الأماني

                   وزُل هجري وتعذيبي وصدي                                           

                                                       وقتلي  بالجفا  في  كل  آن

                   وما ليَ  منقذٌ من ضير  هذا                                             

                                                        سوى  حبر  خبير  بالزمان

                   هُمامٌ    متقن   للعلم   طرا                                              

                                                        وفي التحقيق لا يشبههُ ثاني

                   إمامٌ فاق في التفسير   فخراً                                            

                                                      وفي علم الحديث مع المعاني

                  وفي علم الكمال  وعلم أصل                                             

                                                       وعلم  الفقه  مع نحو اللسان

                  وباقي العلم صار له جواداً                                              

                                                        فيلوي  رأسه  لي    العنان

       

        وللعجلوني  من قصيدة امتدح بها أحد شيوخه مطلعها:

                  

                   أعبقُ المسك   ذاع من الخِزامِ[35]                                          

                                                      أمن  ثغر  حوى  مثل الملام[36]

                   أمِن وجهٍ يفوق البدر     نوراً                                          

                                                      ويُبهر  مَن  رآه  من   الأنام

                   أمن  جيد  أعار  الظبيَ حسناً                                          

                                                      أمن   قدٍّ   قويم      كالسهام

                   فيا مَن  لا  يُضاهى  في جمال                                          

                                                       دع  الأعراض  وادفع للملام

                  وصلْ  يا ظبيُ قد  عذبت قلبي                                          

                                                       بألحاظ    تفتك      كالحسام

                    ودع قتلي  فان   القتل    ظلماً                                          

                                                      حرامٌ  مقتضٍ   نيل   الأثـام

                   نعم في  شرع   عشاق  أباحوا                                         

                                                       لهذا   القتل   صبراً   للحِمام

                   فان  رمت  السلامة   منه يوماً                                          

                                                         فلُذ  بالعالم   الشهمِ  الهمام

                   أمام   منقذ   من   كل   سوء                                           

                                                        شفاءٌ  للنفوس  من   السقام

                  هو الحَبر   الخبير   بكل علم                                            

                                                         يفوق الناس طُرّا في المقام

    

     ومن شعره قوله:

                   باعد عن اللذات واجتنب الهوى                                         

                                                       فأخو  الشقاء  قبيحةٌ  حالاته

                  واعملْ من الخيرات بشرى لامرئٍ                                     

                                                     غلبت على  آحاده    عشراتُه

   ومن شعره قوله:

                قيامي على الأقدام حقٌّ   وسعيها                                      

                                                     لرؤياك  يا  فرد  الزمان  أكيد

               فقد أمرَ المختارُ   أنصاره    به                                       

                                                     لسعد  الذي قد مات وهو شهيد

   ومن شعره قوله:

             يا بدر واعدتني والوصل يحسن لي                                  

                                                    أنجزه  لي يا حماك الله من زلل

             فالوعد دينٌ وخير  الناس   أحسنهم                                 

                                                   له  قضاء  أتى عن  سيد الرسل

        ومن شعره قوله:

            إن جزت   رَبعَ  الحيّ  حيي  حيَّهم                                 

                                                  وأرعاهم إن اعرضوا أو أكرموا

            واعلم   عذولي   أنّ   حبي    فيهم                                  

                                                  ولأجل   عينٍ  عينُ ألفٍ  تُكرم

 

         ومن شعره قوله:

                   لئن  قالوا   قبضتَ   يديك   بُخلاً                                   

                                                    ولم   تُنفِقْ    كأنفاق    الرجالِ

                  أقول   لهم:    أخلّائي     ذروني                                    

                                                    فإنفاقي    على   مقدار   حالي

          ومن شعره قوله:

                   طول          الحياة      حميدة

                                                   إن    راقبَ   الرحمنَ    عبدُه

                   وبضدها       فالموت      خير           

                                                  والسعيد      أتاه         رشده

       ومن شعره قوله سابكاً الحديث النبويّ الشريف: (خِيَارَ النّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً)[37] ، وكتب به إلى مفتي دمشق المولى حامد العمادي[38]:

                  أيا شمسَ المعالي نلت حظّاً                                           

                                                      من  اللهِ  المهيمن   والرضاء

                 ويا نجل العمادي مَن تباهى                                           

                                                       بك   الإسلام   فازددنا ضياء

                  عمادي أنتمُ   والشكر دأبي                                          

                                                      وحمدي  قد  ملأتُ به الفضاء

                   أتاني   منكم ما نلت  فخراً                                           

                                                      به   بالمدح   منكم   قد أضاء

                   وحليتم   حديثاً   قد  عقدتم                                           

                                                    خيار   الناس  أحسنهم  قضاء

     فأجابه  العمادي  بقوله:

                   أيا  شيخاً لنا  عزاً وفخراً                                          

                                                    ومنك   العلم  في  الدنيا أضاء

                   حديثكم الصحيح النقل أحيا                                           

                                                    دمشق   الشام   فابتسمت ضياء

                    ودادي   ثابت فيه  عمادي                                           

                                                  وإني    حامد    أبدي       ثناء

                   وإني قد سمعت الآن   منكم                                 

                                                 خيار    الناس   أحسنهم   قضاء

      وله مقرضاً على سؤال رفعه الأديب مصطفى الترزي[39] للمولى العالم حامد بن علي العمادي مفتي الحنفية بدمشق؛ يسأله عن حكم زواج امرأة ثالثة بسبب أنه تزوّج بزوجتين سوء؛ ومن سؤال الترزي:

                   ما قول سيدنا مفتي الأنام ومَن      

                                                     سمت  فضائله  فوق السماكَين

                  علامة الدهر والمحمود سيرته                                         

                                                     بن العمادي  كنز العلم والدين

                   فيمن له زوجتا سوء يبرُّهما                                          

                                                    ويبغضاه  بلا  ذنب  ولا  مين

                  وطال مكثهما دهراً لديه وقد                                          

                                                   غدا من الهم في أسر وفي هون

                  والآن يبغي فتاة السن ناضرة                                         

                                                   تجلو صدى قلبه باللطف واللين

                   يروم تزويجها بالشرع متبعاً                                           

                                                    نهج الهدى غير مأثوم ومأفون

 

               والزوجتان مع الأولاد أجمعهم                                         

                                                    قاموا عليّ  كاغوال  الشياطين

     فأجابه العمادي شعراً ونثراً؛ فمن الشعر قوله:

                قد جاء يسألني عن حكم مسألة                                      

                                                   هاك  الجواب   بإيضاح    وتبين

               تروم  ثالثة  حتى  تعود  إلى       

                                                   عصر الشباب بعيد الشيب والحين

               والزوجتان مع الأولاد أجمعهم                                      

                                                  قاموا  عليك   كأغوال   الشياطين

              لهم زئير أسود الغاب ضارية                                      

                                                   من شدة الحزم مع   عزم  وتمكين

               مثنى ثلاث رباع ليس معصية       

                                                   إن يأخذ المرء في عرف وفي دين

              فما نهى الشرع عما أنت طالبه                                   

                                                    وليس     مثلبة    فيه     لمفتون

                  لكن ذا بشروط أنت   تعرفها                                               

                                                              إيّاك   إيّاك  من  خلق     الملاعين

 وكان من جواب العمادي نثراً[40] ما يبهر الألباب، فلما وصل إليه الجواب أجابه من غير ارتياب، ومن جوابه:

       اللؤلؤ فوق  تيجان  السلاطين                    

                                                أم اليواقيت قد لاحت على العين

    

                أم الدراري على الزرقاء مشرفة             

                                                    بها أهتدي كل حيران ومشجون

                أم ذا جواب  سؤال  خطّه   قلم                                      

                                                    قد نظم الدر من بحر  بسمطين

                 نظماً ونثراً فنون الشعر قد جمعا                                      

                                                    فاعجز   أكل ذي نطق وتبيين

                قد قاله حامد مفتي   الورى  وبه                                     

                                                    إلى سواء طريق الحق يهديني

   فمدح العجلوني جواب العمادي، وهو قوله:

                  

                    أنور   صبح  بدا  في  عزّةِ   الدِّين                           

                                            أم   عَرفُ   نور   لأزهار   البساتين

                   أم  النجوم  الدراري أشرقت سَحراً                            

                                            أم    اللآلي    على   تاج   السلاطين

                   أم  البدور  التي  لم  تنكسف   أبداً                            

                                            أم   ضوء   مبسم   حوراء من العين

                   أم تلك خودٌ جرى من طيب مبسمها                            

                                            ما  أسكر  الحيّ  في  تلك   الأحايين

                   بل ذاك وشي العمادي الذي  بهرت                             

                                             أقلامه   بالفتــاوى  والبــراهين

                   مفتي الأنام  ومن  في   كل  معضلة                           

                                             يرجى   لكشف     مُخبّاها   بتمكين

                   أجاب  بالنظم   بعض   السائلين له                           

                                             يستظهر  الحكم  عن   تعداد  زوجين

                   من  النساء  اللواتي  حض شارعنا                           

                                             على   النكاح   لنسلٍ   أو   لتحصين

                   يا  أوحدَ  الدهر يا من طاب مغرسه                         

                                            بالعلم   والحلم    يا  نجل   الأساطين

                   هم الرجال  ومن   كانت   مآثرهم                          

                                            لم  يحصها  العدُّ  في   نشر  الدواوين

                   وجاء   منهم  فتى أحيى   محامدهم                            

                                              هو   حامد   صانه   ربي    بياسين

                   فالله   يبقيه   بدراً    يستضاء  به                            

                                             ونور   صبح   بدا   في  غرة  الدين

     

      قال المرادي: (وعلى هذا السؤال والجواب قرض أهل الفضل والآداب وأطالوا في ذلك المقال؛ فلا حاجة لذكره هنا؛ لئلا يطول المجال، وقد جمع لذلك العلامة الهمام حامد العمادي مفتي الشام في رسالة سماها عقيلة المغاني في تعدد الغواني)[41].

 

المطلب الثالث: العجلوني الجراحي بين العلماء

   أولاً: ثناء العلماء عليه: للعلماء المعاصرين مواقف ثناء ومدح للشيخ العجلوني الجراحي؛ فلقد وصفه العلماء بالأوصاف الحسنة؛  فهو أحد الشيوخ الذين لهم القدم العالية في العلوم والرسوخ، كان حليماً سليم الصدر، سالماً من الغش والمقت، صابراً على الفاقة والفقر، ملازماً للعبادات والتهجد، والاشتغال بالدروس العامة والخاصة، كافاً لسانه عما لا يعنيه مع وجاهة نيرة، ولم يزل مستقيماً على حالته الحسنة المرغوبة إلى أن مات، فظلت مؤلفاته وانجازاته تنبض بحياته وشهرته.

     قال المرادي: (الشيخ، العالم، الهمام، الحجة، العمدة، الورع، العلامة، كان عالماً بارعاً صالحاً مفيداً محدثاً مبجلاً قدوةً سنداً خاشعاً، له يد في العلوم، لا سيما الحديث والعربية، وغير ذلك مما يطول شرحه، ولا يسع في هذه الطروس[42] وصفُه، له القدم  الراسخة في العلوم، واليد الطولى في دقائق المنطوق والمفهوم؛ كما قيل:

 

           حدّث عن البحر لا عتبٌ ولا حرجٌ                                  

                                              وما تشاء من الإجلال قُل وقُل)[43]

 

     وقد ترجم تلميذه الشيخ سعيد السمان[44] لشيخه العجلوني، وقال في وصفه: (خاتمةُ أئمة الحديث، ومن ألقَت إليه مقاليدها بالقديم  والحديث، اقتدح زناده فيه فأضاء، وشاع حتى ملأ الفضاء، آخذاً بطرفي العلم والعمل، متسنماً ذروةً عن غيره بعيدةَ الأمل، يقطع آناء الليل تضرعاً وعبادةً، ويوسع أطراف النهار قراءة وإفادة، لا يشغله عن ترداده النظر في دفاتره مرام، ولا عن نشر طيِّها نقضٌ ولا إبرام، مع ورع، ليس للرياء عليه سبيل، وغض بصر عما لا يعني من هذا القبيل، وهو وإن كانت عجلون تربة ميلاده فإن الشام تشرفت بطارف فضله وتلاده[45]، فقد طلع في جبهتها شامة، وأرهف مُنصل[46] فكرته بها وشامه[47]، حتى صار هلاله بدراً، ومنازله طرفاً وقلباً وصدراً، فاستحثّ عزمه نحو الروم، وقصد بها إنجاز ما يروم، فأحلّته بين السمع والبصر، وجنى غصن أمانيه واهتصر، وعلى ما به قوام معاشه اقتصر، فآب ولم يخب مسعاه، وطرف الدهر بمقلة الارتقاء يرعاه، فأظلته قبة النسر المُنيفة، وصار لمن سَلَفه خليفة، وأيّ خليفة! فتغصُّ حلقته بالخاص والعام، فيملي على فتح الباري[48] ما يوضح خفايا البخاري، بناطقة  تسحر العقول بأدائها، وتسخر بالعقود ولألائها، ووجاهة ملء البصيرة والبصر، على مثلها الوقار اقتصر، وخلق ما شابه انقباض، وسجية لم تنقد بإعراض، ولم يزل نسيج وحده؛ تأليفاً، وتقريراً، وحديثاً حسناً، تسطيراً وتحريراً، حتى شرب الكأس المورود، وذوت من روض محاسنه تلك الورود، فتنفّذ عليه البصر والدمع، وعمي البصر والسمع، بلّ الله بالرحمة ثراه، فهو ممن أخذت عنه الإسناد، وأمدني بقراءتي عليه بما ينفع- إن شاء الله - يوم التناد، وله شعر موزون، يتسلى به الواله المحزون)[49]، ووصفه الزركلي في الأعلام[50] بأنه محدّث الشام في أيامه، وبأنه الزاهد الورع العابد.

 

     كان العجلوني حليماً، سليم الصدر، سالماً من الغش والمقت، صابراً على الفاقة والفقر، وملازماً للعبادات والتهجد، والاشتغال بالدروس العامة والخاصة؛ كافاً لسانه عمّا لا يعنيه، مع وجاهة نيرة، ولم يزل مستقيماً على حالته الحسنة المرغوبة إلى أن مات، وبالجملة فهو أحد الشيوخ الذي لهم القدم العالي في العلوم والرسوخ.

 

    لقد مدحه حامد العمادي[51] بقوله[52]:

                   أيا  شيخاً لنا  عزاً وفخراً                                            

                                                    ومنك   العلم  في  الدنيا أضاء

                   حديثكم الصحيح النقل أحيا                                           

                                                   دمشق   الشام   فابتسمت ضياء

 

                   ودادي   ثابت فيه  عمادي                                            

                                                    وإني   حامد   أبدي       ثناء

                   وإني قد سمعت الآن   منكم                                           

                                                     خيار   الناس  أحسنهم  قضاء

 

ثانياً: نقد الشيخ المحدّث لأبي إسحق الحويني للعجلوني في العصر الحاضر: لا يذكر العجلوني في مجالس العلماء إلا بما به يُفتخر؛ ولكن الكمال لله وحده، وقلّما من العلماء من يفوز بقلّة النقد والرد؛ ولقد وجدت انتقاداً للعجلوني في كتاب المحدّث المعاصر الحويني[53]، وتبعه من مدرسته بعض أتباعه.

       وسبب النقد أنه وجد كلاماً في كشف الخفاء نقلاً عن ابن عربي الصوفي[54]؛ إذ قال العجلوني: (وفي الفتوحات المكية للشيخ الأكبر قدس سره الأنور ما حاصله: فربّ حديث يكون صحيحا من طريق رواته يحصل لهذا المكاشف أنه غير صحيح لسؤاله لرسول الله e، فيعلم وضعه ويترك العمل به وإن عمل به أهل النقل لصحة طريقه، ورُبّ حديث ترك العمل به لضعف طريقه من أجل وضاع في رواته يكون صحيحا في نفس الأمر لسماع المكاشف له من الروح حين إلقائه على رسول الله e انتهى)[55]، ولم يرق هذا الكلام للشيخ الحويني فرد قائلاً: (قد أساء العجلوني جد الإساءة وكتابه، أنه نقل هذا الباطل، ولم يقدح فيهِ! وهل في إقراره هذا الكلام إلا هدم لكتابه كله إذ هو قائم على القواعد المعروفة عند أهل الحديث؟! لقد ظننت أن تحت القبة شيخاً!! وليس هذا الكلام بأول شيء مرق بهِ ابن العربي على الإسلام وأهله، حتى لقد كفَّره جماعة من العلماء، وحرموا النظر في كتبه؛ لأن قولهُ هذا يتمشى مع زعمه أن للشريعة ظاهراً وباطناً، أما الظاهر فهوَ لعامة الناس، الذين هم علماء الملة، فلا يرونهم على شيء لا من العلم ولا من التقوى؛ لأن ذلك لمن أدركوا علم الباطن!!)[56].

 

     أقول: لست في صدد الدفاع عن الشيخ العجلوني في تصوّفه؛ فهو مما لا ينكر عليه ولا على أمثاله من الدولة العثمانيّة، ولا أدافع  عن هذه الهفوة في نقله كلام ابن عربي وعدم نقده؛ فالأصل عدم الاكتفاء بالنقل المجرّد، وإنما لا بد من النقد سلباً أو إيجاباً؛ ولكنّي أدافع عن عالم محدّث مشهور، من واقع تخريجه للروايات المشتهرة في كتابه القيّم (كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس)؛ فإنه لم يصحح حديثاً غير صحيح بناء على الكشف، وإنما نقل كلام ابن عربي، ولم يعلّق عليه، لكنه لم يعمل به؛ كما هو واضح من منهجه في التصحيح والتضعيف، وقد شرح صحيح الإمام البخاري أيضاً، وكتبه في الحديث مشهورة متوافرة، فليت الشيخ الحويني عذره، أو التمس له عذراً، فغالب العلماء لا يرجح كلام ابن عربي؛ وتلقّي العلوم في هذا الزمن لا يتوافق مع ذلك الرأي؛ ويبقى من الآراء الاجتهادية، وعلوم أغلب الناس اليوم ليست مستقاة من منابعها الأصلية، مع أنّ الرجوع إلى المنابع الصحيحة الأصلية هو الصواب، وهو المطلوب في كل حين، والمتأمل في الحال والمقال هنا لا يجد كبير ذنب على العجلوني؛ ومن ثَمّ أنفي أن يكون نقله لكلام ابن عربي في كشف الخفا مسيئاً له، وهو المحدّث المحقق، والكل يخطئ ويصيب إلا المعصوم e.

 

     وأما أنّ العجلوني هدم كتابه بهذه العبارة ففيه إجحاف واضح؛ وليس من غايات تأليف الكتاب المذكور بيان مناهج الصوفية في قبول الأحاديث أو ردّها، وليس مراده بيان منهج سلوكي يريده، وقد وضّح  العجلوني سبب تأليفه لكتابه في مقدمته فقال: (إن من أعظم ما صنف في هذا الغرض، وأجمع ما ميز فيه السالم من العلة والمرض، الكتاب المسمى بالمقاصد الحسنة[57] في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، لكنه مشتملٌ على طول يسوق الأسانيد التي ليس لها كبير فائدة إلا للعالم الحاوي، ومن ثم لخصته في هذا الكتاب مقتصراً على مخرج الحديث وصحابيه روماً للاختصار، غير مخل إن شاء الله تعالى بما اشتمل عليه مما يستطاب أو يستحسن عند أئمة الحديث الأخيار، وضاماً إليه مما في كتب الأئمة المعتبرين؛ كاللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة لأمير الحفاظ والمحدثين من المتأخرين الشهاب أحمد بن حجر العسقلاني، بلغنا الله وإياه في الدارين الأماني)[58].

 

     ثم يقول في موضع آخر (كما أن الأحاديث المشتهرة على الألسنة قد كثرت فيها التصانيف ،وقلّما يخلو تصنيف منها عن فائدة لا توجد في غيره من التأليف، فأردت أن ألخِّصَ مما وقفتُ عليه منها مجموعاً؛ لتقرَّ به أعين المنصفين، وليكون مرجعاً لي ولمن يرغب في تحصيل المهمات من المستفيدين)[59]، وهو كتاب كثير الفوائد، جمع فيه مؤلفه أحاديث المقاصد الحسنة للسخاوي، وزاد أحاديث كثيرة جدًا حتى زاد عدد أحاديثه على 3250 حديثـًا، ورتّبه على حروف المعجم، كما زاد فوائد في الصناعة الحديثية على غاية من الأهمية، وبهذا أصبح أكبر كتاب في هذا الفن، وأكثره جمعـًا للأحاديث المشتهرة على الألسنة، فأوضح طيبها وخبيثها بعرضها على ميزان الجرح والتعديل، وصوّب ما لحقها من تحريف وزيادة أو نقصان، ودلّ على ما كان منها من قبيل الحِكم المأثورة، وسرد ما يقارب معنى بعضها من السنن، وشرح معاني الآثار، ببسط قد لا يوجد بعضه مجموعاً في غيره، واعتمد في تصنيفه على أوثق ما كتب في هذا الباب وهو كتاب السخاوي آنف الذكر، واستدرك عليه مما في مؤلفات الثقات، ووضع للكتاب خاتمة أبطل فيها نسبة بعض مصنفات اشتهرت بنسبتها لأناس كذبًا، وانتهى إلى ذكر ضوابط جامعة في الموضوعات، وقد استفاد مؤلفه من العلماء الذين سبقوه بالتصنيف في هذا المجال، وقد قدّم رحمه الله بمقدّمة بيّن فيها سبب تأليفه الكتاب، والمنهج الذي سار عليه فيه، وهو من أهم الكتب المتأخرة وعبارة عن خلاصة الكتب السابقة في ذات الفن، ومن أهم ميزات الكتاب :

1. هو أجمع كتاب في الأحاديث المشهورة.

2. لخّص ما قاله الأقدمون.

3. زاد أشياء مهمة  كثيرة أثناء التخريج.

    إنّ الباحث المتأمل إذا أراد تخريج حديث نبويّ مشهور بين الناس رجع إليه فوجد فيه بُغيته، ومن أدار أداة البحث في الحاسوب ليبحث عن حديث وجد العجلوني متصدراً غالب صفحات نتائج البحث؛ فهل بقي لدعوى هدم الكتاب من دليل بعد هذا الاشتهار؟!

  

 المطلب الرابع:وفاته وآثاره

أولاً:  وفاته:  كانت وفاته بدمشق في محرم الحرام افتتاح سنة اثنتين وستين ومائة وألف (1162هـ)،الموافقة لسنة تسع وأربعين وسبعمائة وألف ميلادية (1749)م ودفن بتربة الشيخ أرسلان بدمشق.

ثانياً: مؤلفاته وآثاره:  قال المرادي: (والكتب التي قرأها لا تُعد لكثرتها؛ ما بين تفسير، وحديث، وفقه، وأصول، قراءات، وفرائض، وحساب، وعربية بأنواعها، ومنطق، وغير ذلك)[60]، وقد بارك الله له في عمره، فكثرت مؤلفاته التي تشتهر بالموسوعية، وقد سرد البغدادي مؤلفاته تلك في كتابه القيم هدية العارفين[61]؛ وذكر منها:

- إسعاف الطالبين بتفسير كتاب الله المبين.

- الكواكب المنيرة المجتمعة في تراجم الأئمة المجتهدين الأربعة ولكل واحد منها اسم خاص يعلم من الوقوف عليها.

-  الفوائد المحررة في شرح مسوغات الابتداء بالنكرة في النحو.

- حلية أهل الفضل والكمال باتصال الأسانيد بكمّل الرجال.

- الفوائد الدراري بترجمة الإمام البخاري.

- إضاءة البدرين في ترجمة الشيخين.

- تحفة أهل الإيمان فيما يتعلق برجب وشعبان ورمضان.

- نصيحة الإخوان.

 عرف الزرنب[62] بترجمة سيدي مدرك والسيدة زينب.

- الأجوبة المحققة عن الأسئلة المفرقة.

- أربعون حديثاً كل حديث من كتاب.

- عقد الجوهر الثمين بشرح الحديث المسلسل بالدمشقيين.

- الفيض الجاري بشرح صحيح البخاري، وهو أجلّها، وقد كتب من مسوداته مائتين واثنتين وتسعين كراسة، وصل فيها إلى قول البخاري: (باب مرجع النبي e  من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم)؛ من المغازي، وأطال فيه من الفوائد والنكات والأحكام، قيل: ولو كمل هذا الشرح لكان من نتائج الدهر، واخترمته المنية قبل كماله[63].

- أسنى الوسائل بشرح الشمائل.

- استرشاد المسترشدين لفهم الفتح المبين على شرح الأربعين النووية لابن حجر المكي.

-  عقد اللآلئ بشرح منفرجة الغزالي.

- فتح المولى الجليل على أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي.

- كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس.

- الخاتمة والتوصيات

     لا يمكن للشجرة أن ترتفع في السماء فروعها إلا إذا ضربت في الأرض جذورها، ولذلك رأينا المسلمين بأمجاد سلفهم محتفين محتفلين، يرسمون السير والأمجاد، ويسطرون البطولات بماء الذهب، ويفتخرون بالثلة الطاهرة النقية، استنطاقاً لبطولات الأجداد، وتشيداً لصروح المجد التي بدت جلية في تاريخ الإسلام؛ يحكون حالهم، وينطقون بألسنتهم، ويكتبون بأقلامهم، ليكون كلٌ منهم نبراساً يسير عليه مبتغو الهداية، وطالبو الاسترشاد إلى سواء السبيل، وليكون فخراً للمفتخرين، ونموذجاً للمقتدين، يسر الناظرين، فتبارك الله أحسن الخالقين.

    ولقد آن الأوان لربط الجديد بالقديم؛ وإشهار ما كاد يندرس من تاريخنا العريق؛ وفاءً للحق، وتجديداً للعهد، وتشييداً للبنيان، وإعادة رسمه إلى الأذهان؛ فقد سطروا التاريخ بأحرف من نور، أضاء ما ادلهمّ من الخطوب.

   ثمّ إنّ العجلوني الجراحي من الذين سجّلوا في تاريخ الإسلام صفحة مشرقة، وأظهر براعة في فنون عديدة، فحريّ بنا أن نجدد البناء، وأن نوضّح المغمور؛ فأوصي بالآتي:

  1. تحقيق كتاب الفيض الجاري في شرح صحيح البخاري، والذي توفي العجلوني وهو يسطر صفحاته، وقالوا: لو أتمّه لكان من آيات الدهر.
  2. إعادة طباعة كتبه كاملة إحياءً للمدرسة العلمية التي كان ينتمي إليها.
  3. تبنّي مؤلفات العجلوني في الأطروحات الأكاديمية في عجلون.
  4. البيان الواضح لسلامة عقيدة وعلم وعمل الشيخ العجلوني الجراحي.
  5. تسميّة مدارس وقاعات علمية وشوارع باسمه في محافظة عجلون.

 

- مراجع البحث

  • الكامل في التاريخ، ابن الأثير الجزري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 2، 1967.
  • البغدادي، إسماعيل باشا، هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، طبع وكالة المعارف، اسطنبول، 1951، منشورات مكتبة المثـنى، بغداد.
  • البغدادي، إسماعيل بن محمد أمين ، إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، منشورات مكتبة المثـنى، بغداد.
  • المحبي، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر.
  • ابن منظور الإفريقي، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1955.
  • ابن شداد، محمد بن علي، الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة.
  • المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، تحقيق أكرم حسن العلبي، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1422هـ/2001م.
  • عبدالله سالم نجيب، تاريخ المساجد الشهيرة، منارات الهدى في الأرض.
  • تاريخ الدولة العلية العثمانية، محمد فريد بك المحامي، دار الجيل، ط 1، بيروت، 1977.
  • العجلوني، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما يدور من الأحاديث على ألسنة الناس، طبعة دار التراث.
  • الزركلي، خير الدين ، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط 5، 1980.
  • عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين،  مكتبة المثـنى ودار إحياء التراث العربي، بيروت.
  • الكتاني، محمد بن جعفر، الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، تقديم محمد المنتصر الكتاني، دار الفكر، دمشق، ط 3، 1964.
  • أبو إسحق الحويني النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة، دار الصحابة للتراث.

 


[1] . سورة الزمر آية 9.     

[2] . يقال: إن عجلون هو اسم لأحد ملوك مؤاب حكمها مدة تزيد عن عشر سنوات. انظر: ابن الأثير الجزري، الكامل في التاريخ، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 2، 1967 ،  1 / 70.

[3] . محمد بن علي بن إبراهيم، المولود سنة 613هـ/ 1217م والمتوفّى سنة 684 هـ / 1285م. انظر: خير الدين الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط 5، 1980 6 / 283.

[4] . ابن شداد، محمد بن علي، الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة، 1 / 76.

[5] . الحبابية: تقع ضمن منطقة الحرة البازلتية إلى الشمال الغربي من بلدة الأزرق، على الطريق باتجاه الأزرق ووادي السرحان .                  

[6] . مصطلح السواد مختلف فيه؛ ومن معانيه: المنطقة البازلتية إلى الشمال الغربي من بلدة الأزرق، على الطريق باتجاه الأزرق ووادي السرحان؛ يطلق عليها السواد نظراً لسواد حجارتها؛ فيكون الحدّ الشرقي من وراء جرش إلى العراق، أو المراد بالسواد الأرض الغنية بالأشجار، كما وصفت العراق بأرض السود، وكذا البلاد السورية، والأصل في الدهمة، وهو الشجر شديد الخضرة؛ يرى كأنه أسود.

[7] . ابن شداد، محمد بن علي، الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة، مرجع سابق،  1 / 76.

[8] . ورد في دائرة المعارف الإسلامية- 2/ 183 – أنه إسماعيل بن (شريف)، قال الزركلي في الأعلام: خطأ- الأعلام للزركلي 1 / 325، وهو في كافة كتب التراجم إسماعيل بن محمد.

[9] . محمد بن خليل، المرادي، توفي عام ألف ومائتين وستة هجرية (1206).

[10] . مصطفى بن كمال الدين، البكري، الصديقي، معاصر للعجلوني؛ ولد  في دمشق 1099 هـ /1688م، وتوفي بمصر - 1162 هـ / 1749 م.  الأعلام للزركلي 7 / 239.

[11] . منشيه: أي مؤلفه؛ يريد مؤلف كتاب كشف الخفا للعجلوني.

[12] . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، تحقيق أكرم حسن العلبي، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1422هـ/2001م ، 1 / 295.

[13] . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مرجع سابق، 1/309.

[14] . عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين،  مكتبة المثـنى ودار إحياء التراث العربي، بيروت، 2 / 292.

[15] . المحبي، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر،  [15] . 3 - 203.

[16] . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مرجع سابق، 1 / 214.

[17] . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مرجع سابق،1 / 216.

[18] . سيأتي بيان ذلك في سبب اختياره للعلم الشريعي  عن قريب بإذن الله.

[19] . الجوخ نوع من القماش معروف.

[20] . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مرجع سابق، 1/295.

[21] . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مرجع سابق، 1/295.

[22] . أبو عبد الرحمن هو الشيخ صبحي بن السيد جاسم السامرائي؛ ولد عام 1898م، عالم جليل، له مؤلفات كثيرة، وتقلّد مناصب علمية جليلة، ودرّس في الجامعات الإسلامية.

[23] . محمد بن غازي بن داوود القرشي البغدادي، كتاب نعمة المنان في أسانيد شيخنا أبي عبد الرحمن 1 / 11.

[24] . آثرت عدم الترجمة لمشايخه؛ لكثرتهم، ولو انشغلت بذلك لطال البحث؛ فاكتفيت بما ذكره المرادي في سلك الدرر.

[25] . سميت قبة جامع بني أمية في دمشق بقبة النسر تشبيهاً لها بالطائر المعروف، والناظر إلى الجامع الأموي من الأعلى سيرى سطح الجامع كأن الرواق الممتد من الشرق إلى الغرب وكأنه جناح النسر والقبة رأسه؛ يقول ابن جبير عنها: فإذا استقبلتها أبصرت منظراً رائعاً، ومرأى هائلاً يشبهه الناس بنسر طائر كأن القبة رأسه، والغارب جؤجؤه، ونصف جدار البلاط عن يمين، ونصف الثاني عن شمال جناحاه، وسعة هذا الغارب من جهة الصحن ثلاثون خطوة، ومن أي جهة استقبلت البلد ترى القبة في الهواء منيفة على كل علو كأنها معلقة من الجو، وقبة النسر من الأعمال التي تمت في عهد الوليد ابن عبد الملك ضمن عمارته للمسجد الأموي، ويبلغ قطر قبة النسر 5ر16 متراً، وارتفاعها مع الرقبة 5ر17 متراً، وارتفاعها من ذروتها حتى أرض الحرم 43 متراً، وقد بناها الوليد بن عبد الملك عام 132 ـ 133هـ ( 750م). انظر: عبدالله سالم نجيب، تاريخ المساجد الشهيرة 1 / 269.

[26] . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مرجع سابق، 1/296.

[27] . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مرجع سابق، 1/296.

[28] . خير الدين الزركلي، الأعلام، مرجع سابق، 6/117، ومن آثار الجعفري، ومن آثاره شرح على «التحرير» وصل فيه إلى باب الحجّ، وحاشية على (شرح الرحبية للشنشوري) في الفرائض، ورسالة على شرح «قصة المعراج الصغرى» لمحمد بن أحمد الغَيْطي.

[29] . عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين، مرجع سابق، 9/290. هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، إسماعيل باشا البغدادي طبع وكالة المعارف، اسطنبول، 1951، منشورات مكتبة المثـنى، بغداد 2/322.

[30] . علي بن محمد بن مراد، المرادي ولد عام اثنين وثلاثين ومائة وألف هجرية -1132هـ- الموافق لعام ألف وسبعمائة وعشرين ميلادية -1720 - مفتي الحنفية في دمشق وأحد علماء عصره، توفي عام أربعة وثمانين ومائة وألف هجرية- 1184 هـ- الموافق لعام واحد وسبعين وسبعمائة وألف ميلادية- 1771 م- انظر: الزركلي، الأعلام، مرجع سابق،   5 / 16.

 

[31] . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مرجع سابق، 1/297.

[32] . علي بن محمد بن نصر بن منصور، أبو الحسن،  ابن بسام، ولد عام مائتين وثلاثين هجرية (230 هـ)  ويقال له البسامي؛ شاعر هجاء، من الكتاب، عالم بالأدب والأخبار، من أهل بغداد، وأكثر شعره في هجاء جماعة من الوزراء، وتوفي عام ثلاثمائة واثنين (302 هـ)  خير الدين الزركلي، الأعلام، مرجع سابق،4 / 324.

[33] . هذه تسلية العلماء ، وحديث " إن من الشعر حكمة " محفوظ عند الجميع .

[34] . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مرجع سابق، 1/298.

[35] . الخِزامة: حلقة من شعر أو وبر تجعل في الحاجز الذي بين منخري البعير يشد فيها الزمام ليسهل انقياده إذا كان صعبا.

[36] . كذا، ولعلها المدام؛ والمراد ثغر المرأة إذا حوى طعم الشراب الطيب المذاق والرائحة.

[37] . عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ e اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْراً، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرّجُلَ بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ؛ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلاّ خِيَاراً رَبَاعِياً، فَقَالَ: (أَعْطِهِ إيّاهُ، إنّ خِيَارَ النّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً) متفق عليه؛ رواه البخاري،  كِتَاب فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَالْحَجْرِ وَالتَّفْلِيس،  باب: هل يعطى أكبر من سنه، ورواه  مسلم كتاب المساقاة. باب من استسلف شيئاً فقضى خيراً منه، وخيركم أحسنكم قضاءً.

[38] . العمادي؛ حامد بن علي بن إبراهيم العمادي الدمشقي الحنفي: مفتي دمشق وابن مفتيها، برع في الفقه والفرائض والأدب، ولد عام  ألف ومائة وثلاثة هجرية ( 1103هـ)، الموافق العام اثنين وتسعين وستمائة وألف ميلادية( 1692 م) وكان مهيبا وقورا أقام في منصب الإفتاء 34 سنة، وتوفي عام واحد وسبعين ومائة وألف هجرية (1171 هـ) الموافق لعام ثمانية وخمسين وسبعمائة وألف ميلادية (1758 م) خير الدين الزركلي، الأعلام، مرجع سابق، 2/ 162.

[39] . مصطفى بن أحمد باشا، الشافعي الدمشقي المعروف بالترزي، ولد عام ستة وثمانين وألف هجرية (1086 هـ) طبيب عرفه الغزي بالشاعر المجيد (الطبيب الفيلسوف)، وتوفي عام ألف ومائة وستين (1160 هـ). خير الدين الزركلي، الأعلام، مرجع سابق،  7 / 229.

[40] . الحمد لله الذي حمد نفسه بنفسه فهو الحامد المحمود؛ فسواه عابد متعبد، وهو المستعبد المعبود، سبحانه لا اله إلا هو حياً أزلياً قيوماً أحداً دائماً، خلق فاحكم وقضى فأبرم، وعلم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، ثم الصلاة على من أرسل إليه الروح الأمين، وأنزل عليه الكتاب المحكم المبين، سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين والسابقين واللاحقين، المخصوص بأمة جعلها الله خير الأمم، وبسط لهم ببركته موائد الفضل والكرم، واصطفاهم بمصطفاه واجتباهم بمجتباه وأحل لهم من النساء، ما لم يحل لغيره، وأباح لهم أربعاً من واسع خيره، وجعلهن زهرة الحياة الدنيا وثمرتها، وقوام قيامها وقيمتها؛ يطاول إلى نكاحهن همم الرجال العوالي، ويتضاءل دونهن من المهور الغوالي؛ لأنهن نزهة الأنفس والأرواح ورياض الأجساد والأشباح، سنة الله التي قد خلت وفي القلوب قد حلّت، فهو من أقوى الأسباب في ارتفاع الأحساب واتصال الأنساب وحصول الولد الذي هو قرة عين، وعمل صالح لوالده وأثر بعد عين، وأمتن الله تعالى بهن على البرية، وهي  تجارة رابحة، وهن أمانات الرجال مستودعات عندهم إلى ما شاء الله من الآجال، يجب حفظهن خوفاً عليهن من الضياع ومراعاة لما لهن وعليهن من الانتفاع والاستمتاع؛ إذ كن ريحانات لا قهرمانات، فإذا تُهنَ عليك ومِلن بأواصر الإدلال وعرفن فتونك وأخذن ينتفن عثنونك، فلا يضيق صدرك فيختل أمرك، فرد ثورة عجبهن بخلق كريم واسع، وخيم عن كل خلق وخيم شاسع، وغطّ عيب شيبك بسبب طولك وإحسانك، لا بمعرة قصر يدك وطول لسانك فتفكر في ذلك فأنت دليل محيرك ورسول مسيرك، وإن أبدين إليك نفاراً وقذعنك جهاراً أو رأينك بصورة منكوسة ولحية بالغم مغموسة، فاعذرهن في ذلك، واقطع من وصالهن أطماع آمالك، فان فيك من الذبول وتكرّج الجلد والنحول وأبيضاض المفارق والحواجب ما ينفّر رازنات الكواعب.

                     رأين الغواني الشيب لاح بعارضي         فاعرضن عني بالخدود النواضر

                     وكن إذا أبصرنني أو سمعن بي           بدرن  فرفعن  الكرى بالمحاجر

       فأنخ لهن كاهل الذل ومد عنان عنقك للعقد والحل، وصعد أنفاسك في أكسير شمس الطاعة، مغترفاً من بحر القناعة، ويا لها من صناعة، وذلك أعذب من الماء على الظمأ، وألطف من سقوط الأنداء على الروضة الخضراء؛ فحينئذ تعلو عليهن كالقمر، وهو أمر اشتهر، وتكون حكيماً قوياً، وشهماً شهياً، فيخضعن لديك، ويضعن خدودهن تحت قدميك، ولا تكون غاية سعيهن إلا إليك؛ لأن من كرمت خصاله، وجب وصاله وهو أمر معروف؛ ومن ركب مركب الخلاف ومال إلى الانحراف فليستعد إلى الأدبار، وليتبوأ قعده من النار، وعليهن أن لا يشققن العصا، ولا يحرقن أنفسهن بنار الغضا؛ فان فعلن ولحقك من الامتحان والتنكيل والإذلال والتذليل ما يريك الكواكب ظهراً، فلا يجدن لأنفسهن وزراً ولا ظهراً، فان كن كما وصفت الآن نعوذ بالله من شر النساء؛ إذ هن حبائل الشيطان، ولا جرم أنهن فاجرات قاهرات صائلات عاديات، فلا تتخذهن أسوة فتعد من النسوة، وألف قلوبهن بالود والوصال، وأصبر على كل حال وانظر لما قيل:

                    إذا شاب رأس المراء وقل ماله                فليس له من ودهن نصيب

[41] . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مرجع سابق، 1/307.

[42] . الطروس: الصفحات، واحدها الطِّرْسُ: وهي الصحيفة. انظر: ابن منظور الإفريقي، لسان العرب، دار صادر، بيروت 1955، باب السين، فصل الطاء.

[43] . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مرجع سابق، 1/295.

[44] . سعيد بن محمد بن أحمد السمان: كاتب مؤرخ، ولد 1118 هـ/ 1706م له شعر وعناية بالتاريخ، من أهل دمشق، باشر تأليف كتاب في تراجم شعراء عصره، فقام برحلة من أجله، فتوفي قبل إتمامه؛ وذلك سنة 1172 هـ - 1759م، وبقي في المسودات، فأثبته المرادي متفرقا في كتابه سلك الدرر. انظر: خير الدين الزركلي، الأعلام، مرجع سابق 3 / 101.

[45] . التلاد: القديم. ابن منظور الإفريقي، لسان العرب، مرجع سابق، باب الدال فصل التاء، والمراد مجده القديم.

[46] . مُنصِل الشيء منزعه؛ ففي لسان العرب: (الإِنْصال بمعنى النَّزْع والإِخراج). ابن منظور الإفريقي، لسان العرب، مرجع سابق، باب اللام فصل النون.

[47] . شامه: اختبره؛ من شَمَّ إِذا اخْتَبَر، ابن منظور الإفريقي، لسان العرب، مرجع سابق، باب الميم، فصل الشين.  

[48] . المراد: كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر.

[49] . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مرجع سابق، 1/298.

[50] . خير الدين الزركلي، الأعلام، مرجع سابق، 1 / 325.

[51] . سبقت ترجمته.

[52] . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مرجع سابق،1/307.

[53] . هوَ أبو إسحاقَ، محمدِ بنِ يوسفَ بنِ شريفٍ الحوينيُّ المصريُّ، وُلدَ يومَ الخميسِ غرةِ ذي القَعدةِ لعامِ 1375هـ، الموافقِ 06 / 1956م بقريةِ حوينٍ منْ أعمالِ محافظةِ كفر الشيخِ بمصرَ، وما زال حيّا أطال الله عمره.

[54] . محيى الدين، ابن عربي، محمد بن علي، ولد في مرسية بالأندلس عام 560 هـ الموافق لعام 1165م، حكيم، صوفي، متكلم، فقيه، مفسر أديب، شاعر، ورحل إلى مصر والحجاز وبغداد والموصل وبلاد الروم، وأنكر عليه أهل مصر آراءه، فعمل بعضهم على إراقة دمه، من تصانيفه الكثيرة: (1) الفتوحات المكية في معرفة الأسرار المالكية والملكية، واستقر بدمشق، وتوفي بها في 22 ربيع الآخر عام 638 هـ الموافق لعام   1240 م) ، ودفن بسفح قاسيون، عمر كحالة، معجم المؤلفين، مرجع سابق، 11 / 40.

[55] . العجلوني، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما يدور من الأحاديث على ألسنة الناس، طبعة دار التراث، 1 / 10.

[56] . أبو إسحق الحويني النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة، دار الصحابة للتراث،  1 / 5.

[57] . يريد كتاب السخاوي الموسوم ب المقاصد الحسنة في بيان الأحاديث المشتهرة على الألسنة.

[58] . العجلوني:  كشف الخفاء ومزيل الإلباس ، مرجع سابق، 1/8.

[59] . . العجلوني:  كشف الخفاء ومزيل الإلباس، مرجع سابق  1/7..

 

[60]  . المرادي، محمد بن خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مرجع سابق،1/295.

[61] . إسماعيل باشا البغدادي، هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، طبع وكالة المعارف، اسطنبول، 1951، منشورات مكتبة المثـنى، بغداد، 220/5.

[62] . الزرنب: طيب أو شجر طيب الرائحة

[63] . خير الدين الزركلي، الأعلام، مرجع سابق، 1 / 325.

 

 

© 2024 تطوير وتصميم شركة الشعاع الأزرق لحلول البرمجيات. جميع الحقوق محفوظة