إحياء التراث القطري... مهنة "التباب" تعود في مهرجان (سنيار) للغوص
الأربعاء, أبريل 10, 2019

إحياء التراث القطري... مهنة "التباب" تعود في مهرجان (سنيار) للغوص

https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2019/4/7/%D9%85%D9%87%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D9%86-%D8%B3%D9%86%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%88%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A4%D9%84%D8%A4-%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D8%A7

الدوحة: محمد السيد

يمتهن الطفل القطري سيف السليطي مهنة "التباب" على محمل والده، للتدرب على حياة البحر وتعلم فنون الغوص حتى يصبح غواصا، حفاظا على إحدى المهن التراثية التي يسعى القطريون للحفاظ عليها.

مهنة الغوص تكاد تكون غريبة هذه الأيام، نظرا للتطور الذي يشهده العالم جيلا بعد جيل، لكن سيف (10 سنوات) بدأ رحلة تعلم هذه المهنة، ولم يتخل عن هذه الهواية التي يعتبرها إرث الآباء والأجداد الذين اعتمدوا على الغوص قديما لاستخراج اللؤلؤ باعتباره مصدرا رئيسا لتأمين سبل معيشتهم باعتباره المهنة الشعبية لكسب الرزق.

و"التباب" هو مصطلح قطري خليجي أصيل، كان يستخدم في زمن الغوص واصطياد اللؤلؤ، وهو يعني الشاب اليافع (6- 14 عاما)، الذي يبدأ حياته العملية بمرافقة طاقم سفينة الغوص للتدرب على البحر وتعلم مهنة الغوص.

سيف الذي رافق والده راشد السليطي نوخذة فريق "الهير" (قائد الفريق) في مسابقة الغوص ضمن مهرجان (سنيار) الثامن، يعتبر أن عمله "تبابا" هي بداية احترافه مهنة الغوص مثل جميع أشقائه وأقرانه الذين سبقوه، وفي مقدمتهم شقيقه الأكبر عبدالله الذي حصد المركز الثالث في مسابقة هذا الموسم 2019.

ويقول سيف لـ"الجزيرة نت" إن والده يحرص دائما على اصطحابه هو وشقيقه في جميع الأنشطة البحرية، ومنها الغوص الذي يحاكي حياة الآباء والأجداد في العصور القديمة، حيث يعتبر هذه المهنة بمثابة الموروث الأول، والرسالة التي يتوجب على كل أب أن يعلمها لأولاده.

ويوضح سيف أنه يسعى في المواسم المقبلة أن يكون أحد الغواصين الذين يجوبون أعماق البحر بحثا عن اللؤلؤ، حيث إن احتراف هواية الغوص تستهويه منذ أول يوم ركب فيه البحر، وشاهد والده عن قرب وهو يغوص في الأعماق.

ويعتبر نوخذة فريق "غيص" أحمد التميمي أن تعلم الغوص واحترافه من المسلمات في دولة قطر، خاصة أنها شبه جزيرة تحيطها المياه من ثلاث جهات، وأنه بدأ يمارس هذه الهواية منذ الرابعة عشرة من عمره، بعد فترة من التعلم مع الأهل والأصدقاء.

ويوضح التميمي لـ"الجزيرة نت" أن الغوص قديما كان مهنة يمارسها الأجداد والآباء من أجل لقمة العيش وكسب الرزق، لكنه اليوم تحول إلى هواية نمارسها من أجل استعادة ذكريات الماضي، والتعرف إلى معاناة الآباء والأجداد في حياتهم اليومية.

ويرى أن مهرجان (سنيار) أسهم بصورة كبيرة في جذب القطريين لإحياء التراث البحري منذ انطلاقه للمرة الأولى عام 2012، وذلك في ظل الإقبال الكبير على المشاركة في مختلف فعاليات النسخة الثامنة التي حققت نجاحا كبيرا.

ويؤكد التميمي (35 عاما) الذي يشارك في مسابقة الغوص للعام الثامن على التوالي، أن التعاون بين أعضاء فريقه المكون من (11) بحارا ضد مخاطر البحر كان كلمة السر في الفوز بالمسابقة بعد جمع 49 ألفا و978 محارا خلال الغوص لمدة ثماني ساعات على مدار يومين.

ومهنة الغوص قديما كانت تعتمد على الكفاءة الجسدية والنفسية، فالقادر جسديا ونفسيا على الغوص في أعماق البحار لجمع اللؤلؤ يمكن له أن يصبح "غيصا" أو غواصا.

ويشدد رئيس مسابقة الغوص بمهرجان (سنيار) مبارك الخيارين على أن هناك فارقا شاسعا بين مهنة الغوص قديما ومسابقات الغوص اليوم، فالأجداد والآباء كانوا يغوصون لمدة تزيد على أربعة أشهر من بعد صلاة الفجر وحتى العصر يوميا، ودون أية وسائل مساعدة، أما الآن فتقام مسابقات الغوص لمدة يومين بواقع أربع ساعات في اليوم فقط، ويستخدم الغواصون بدلات للغوص ونظارات.

ويقول الخيارين لـ"الجزيرة نت" إن مسابقة الغوص هذا العام في مهرجان (سنيار) الثامن، شارك فيها (11) فريقا مثلت أجدادنا وآباءنا بنظرات مترقبة، وأفئدة تنبض بقوة، ووجوه اكتسبت سمرة داكنة، على مدار يومين من الغوص لمسافة وصلت إلى (15) مترا، شعر المتسابقون خلالهما بالتعب ومدى المشقة التي عاشها أجدادهم.

ويضيف أن عالم الغوص كان بمثابة الزمن الجميل للأجداد والآباء، حيث كانوا ينظرون إلى البحر على أنه نفط هذا الزمن، فما كان عندهم رزق إلا البحر بعد الله، لذلك تهدف مسابقة الغوص إلى تطبيق رؤية الحكومة في تثبيت وترسيخ الموروث البحري ونقله إلى الأجيال الناشئة.

ويكشف الخيارين عن أن المؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا" ستنظم خلال الأسبوعين المقبلين مسابقة الأطفال "الميني" للغوص بحثا عن اللؤلؤ، التي يشارك بها عشرات الأطفال القطريين تتراوح أعمارهم بين (10- 16) عاما، وتهدف إلى زرع التراث فيهم من خلال خوض منافسات الغوص على عمق مترين بكفاءة فنية وبدنية عالية.

وليست المسابقات فقط الوسيلة الوحيدة لإحياء مهنة الغوص في المجتمع القطري، حيث تتعدد المظاهر خاصة في البيوت، إذ يحتفظ كثير من القطريين في منازلهم بمجسمات صغيرة للسفن وأدوات الصيد التي تتخذ نوعا من الزينة، بالإضافة إلى كونها دلالة تعبر عن ماضي البلاد الذي يفخرون به.

ولا يقتصر الأمر على منازل المواطنين فقط، بل يمتد إلى الشوارع والساحات والمناطق العامة، حيث تشتهر قطر بمجسمات تعبر عن هذا التراث، من أشهرها مجسم اللؤلؤة بالعاصمة القطرية الدوحة، ودوار الصدفة في مدينة الوكرة أيضا، فضلا عن أن اللجنة العليا للمشاريع والإرث صممت أحد ملاعب مونديال 2022 على هيئة المحامل الشراعية المقلوبة، وهو ملعب الوكرة.

 

 

© 2024 تطوير وتصميم شركة الشعاع الأزرق لحلول البرمجيات. جميع الحقوق محفوظة