مكتبة الفنون الشعبية
مخلد بركات*
هذا عرض لما وصل إلى الفنون الشعبية من كتب، يقدّمه كل عدد أحد الكتاب الأردنيين، وفي هذا العدد يقدّم الكاتب مخلد البخيت ما وصل إلينا من كتب، معرّفا بها، وما اشتملت عليه من موضوعات، مشفوعة بتبويبها الذي أراده الكاتب.
الوعي الفولكلوري في الأردن وفلسطين ، للمرحوم الدكتور عمر الساريسي
عن مركز الكتاب الأكاديمي صدر حديثاً كتاب (الوعي الفولكلوري) للباحث المرحوم د.عمر الساريسي، وهو الجزء الثاني من كتاب (كلمات في المأثورات الشعبية )، الذي يأتي في سياق ما جمعه الباحث من الصحف والمجلات الأردنية والعربية مراعياً ماجدَ من توسع في المجلات المتخصصة في المأثورات الشعبية وفنونها.

وقد وقع الكتاب في تمهيد وثلاثة فصول، شرح الباحث في التمهيد مصطلح الفولكلور بفرعيه الرئيسيين: الثقافة الشعبية المادية، والثقافة الشعبية القولية فضلاً، عن الأدب الشعبي وأشكاله ونماذجه ، محللاً التنوع في الثقافة الشعبية في الأردن – الأكراد نموذجاً- وملقياً الأضواء على المدارس المعاصرة والكلاسيكية في قراءة المأثورات الشعبية.
الفصل الأول من الكتاب وقفه المرحوم على موضوعات تتصل بالحكاية الشعبية بوجه خاص، فبدأ بحديث عام عنها ثم أحوالها في العقدين الأخيرين، وعرض نسخة مترجمة إلى اللغة الألمانية عنها، ثم عرض أوراقاً تطبيقية عن فهم الذهنية الشعبية ودورها في تقديم معنى الهُوية الشخصية للأمة، وما فيها من ألوان الحكمة الشعبية، وكيف يفهم الصغار حكايات الغيلان، وكيف يبرز معنى العدو في الذهن الشعبي البسيط!!.
أما الفصل الثاني فقد عرض فيه الباحث موضوعات بعض الكتب عن بعض البلدان المختلفة من فلسطين، وما تمثله من تاريخ وثقافة وأرض وحياة، مثل: بئر السبع وقرى بيت محسير، والسافرية وزبيتا جماعين وساريس وقديتا صفد، وقد احتوت على ألوان من الصمود والتحدي .
أما الفصل الأخير فقد حوى نظرات نقدية فاحصة في بعض ما نُشر من كتب في التراث الشعبي في الأردن وفلسطين ، من مثل كتابات روكس العزيزي وطه الهباهبة ونايف النوايسة ...
إنه كتاب مهم ومفيد ويقدم ألواناً من المعرفة فيما يختص بتراث الأردن وفلسطين، في سياق من جماليات اللغة والشرح المبسط ومراعاة التفاصيل المنتجة.
ديوان نمر بن عدوان ، تحقيق أشعاره وسيرة حياته .

عن مركز الرواد صدر حديثاً كتاب نمربن عدوان (تحقيق أشعاره وسيرة حياته ) تحقيق وبحث عليان موسى العدوان، والكتاب ملوّن من أحد عشر باباً ومقدمة وخاتمة موجزة.
وقد سلّط الباحث الضوء بدايةً على الرواة المعتمدين في تحقيق تراث قبيلة العدوان، موضحاً فروع  شجرة القبيلة ونسبها، ثم عرج على ولادة الشاعر المعروف المشهور بالفروسية والعشق نمر بن عدوان وزوجاته وأبنائه ، ناقداً في الباب الأول مسلسل نمر بن عدوان نقداً موضوعياً.
ومن منطلق أساسيات البحث العلمي فقد أشار الباحث إلى مصادر المعلومات في الباب الأول، وقد قام بتصحيح بعض المعلومات الواردة في كتاب العلامة روكس بن زائد العزيزي المعنون ( نمر بن عدوان شاعر الحب والوفاء ، حياته وشعره ) ويقول الشاعر والباحث عليان العدوان هنا: " وما أجبرني عليه هو كتاب المرحوم العزيزي باعتماده مرجعية تاريخية لكتابه مدار البحث، ولا بد في هذا المقام لتعديل كل الخطوات التاريخية التي ارتكز عليها العزيزي من خلال استناده على مرجعية (فردريك بك ) التي جانبت الصواب أحيانا، وعلى أية حال له الشكر على ما جمعه من هذا التراث".
وقد راعى الباحث في كتابه إيراد فصول  ومحطات ومراحل من حياة الشاعر الكبير نمر بن عدوان، من حيث مراسلاته مع الشعراء الكبار  في تلك الآونة، موضحا هذه القصائد التي  أصبحت ذات شهرة واسعة بين الناس من مثل "يا خالقي يا عالم السر مني"،  "يا نمر لا تكبر  ذليلا بلانا"، "سر يا قلم واكتب على مشتهانا"، ومن أكثر الفصول في حياة الشاعر نمر التي عالجها الباحث قصة نمر ووضحا السبيلة/بني صخر، تلك المرأة التي عشقها وكتب فيها أروع قصائد الرثاء التي سارت بها الركبان.
كما أورد الباحث قصائد أنشدها الأمير نمر بن عدوان  لابنه عقاب، إضافة الى القصائد التي أرسلها إلى صديقه الشاعر جديع بن قبلان، والتي اشتُهرت في التراث البدوي عند غالبية قبائل الأردن، كما لم يغفل الباحث إيراد مجموعة أخرى من قصائد الشيخ نمر بن عدوان، مبيناً الظروف التي قيلت فيها هذه القصائد ومناسباتها في إيجاز غير مخل، كما أورد بعضاً من المراثي التي قيلت في الأمير بن عدوان.
بقي القول إن الشيخ نمر بن عدوان هو شاعر ذاع صيته في أنحاء المملكة كافة، لما عُرف عنه من ورع وتدين وثقافة أدبية راقية، فضلاً عن نبله وفروسيته وأخلاقه العالية، إضافة إلى المثل والفضائل التي تحلى بها. وأكثر ما عُرف به هذا الشاعر هو حكاية وفائه لزوجته وضحا، إذ كتب فيها مرثيات رقيقة ما زالت تُنشد في تعاليل البيوت الأردنية.
 
ديوان الشاعر الشعبي سالم القنصل (1865-1945)
بدعم من وزارة الثقافة، صدر عن دار الصايل للنشر والتوزيع، ديوان الشاعر الشعبي سالم القنصل (1865-1945) من إعداد المهندس خليل القنصل في العام 2012.

ابتدأ الباحث كتابه بمقدمة اشتملت على ملاحظات حول الشعر النبطي، ثم عرج على الشاعر سالم القنصل ملاحظات حول شعره ، مخطوطة الديوان، ثم أسهب في الحديث عن قبيلة العزيزات من حيث أصلهم ونسبهم وأسباب تحولهم إلى طائفة اللاتين، معرجاً على ذكر المعارك التي وقعت بين أهل محافظتي الكرك والطفيلة... إلى رحيل العزيزات إلى مضارب ابن طريف في مادبا. كما أوضح واقع النصارى في مادبا في تلك الآونة، ملقيا الضوء على بعض الأحداث المشهورة من مثل مشاجرة النصارى  وعشيرة الأزايدة وأسبابها.
ثم قام بتوثيق بعض من الأحداث الكبرى آنذاك من مثل: عام الجراد 1916، سنة الفأر 1919، الطابو، الثلجة الكبرى 1920، جلب المياه من عيون موسى 1931.
كما أورد الباحث قصائد للشاعر القنصل لها دلالات متنوعة من مثل : " يا ويح سالم كل ما صار ديوان". ومن جهة أخرى أورد طرائف ومفارقات في حياة الشاعر سالم لها أيضاً دلالات في قالب من السخرية والنقد المجتمعي من مثل: قصة (العباة ) وحكاية البغلة السوداء وحكاية الثور المسروق.
ولم يغب عن بال الباحث إيراد سيرة الشاعر، محل الدراسة، مع المرض وما كتبه من ألغاز وفتاوى.
وفي البكائيات دلّل الباحث على علاقة الشاعر مع مجموعة من الأشخاص ذوي المنزلة الرفيعة عنده، وكيف كتب فيهم مرثيات حزينة من مثل: الملك غازي، أبو جابر ، أم إنطوان ،عودة بك القسوس وآخرين...
كما بيّن بعضاً من المساجلات بين الشاعر سالم وغيره من الشعراء، وبخاصة التي جرت بينه وبين الشاعر عبدالله العكشة.
وأفرد باباً للحديث عن الشاعرين سلمان السعيفان وسلامة الغيشان حول الطقس وسنوات المحل وسجالاتهما مع الشاعر سالم القنصل.
وفي الثلث الأخير من الكتاب أفرد بابا مطولاً حول (مباريات شعرية ، محمد باشا الحسين ، زيارة في عجلون ، البير الشرقي .....)، وباباً آخر لمرثيات ابن حماد في الشاعر موضع الدراسة.
بقي القول إن هذا الكتاب شمولي، يؤرخ لجوانب تراثية مهمة في مادبا، زماناً ومكاناً، في فترة زمنية  كان للشعر والكلمة العذبة فيها الأثر الأكبر، وإن المهندس خليل القنصل بذل جهداً كبيراً في إعادة ترتيب المخطوط (ديوان سالم القنصل ) بربطه القصائد بحوادثها وحكاياتها؛ مما ساهم في تعريف القارئ بالظروف الاجتماعية والسياسية التي أحاطت بالنصوص، لفهم دلالاتها المتنوعة، بحسب المنهج النقدي التاريخي؛ وهو أمر يدلل بلا ريب على حرص الباحث ليبقى هذا التراث الجميل محروسا من التهميش والضياع، أو النسيان.
رواية  (أمواج السنابل )
أمواج السنابل رواية لعارف عواد الهلال صدرت بدعم من وزارة الثقافة للعام 2013، تقع في 237 صفحة من القطع المتوسط، في الإهداء يقول الكاتب : " إلى شق النفس، ونصف الروح، من استقرت بين الجوانح لا تبرح.. إلى من : "كالآل طهراً إذا ما استأسن الهطل ".

بدأت الرواية عوالمها بوصف بركة تقع في الخاصرة الشمالية الغربية للقرية، بكثير من التشريح الدقيق لها، واستخدم تقنية أسلوبية بأن يقوم الروائي بتقسيم عمله الإبداعي لفصول وعناوين فرعية داخلية؛ وذلك لئلا ينفلت منه الخيط وليظل المتلقي مشدوداً لهذه  العناوين، وممسكاً بخيوط اللعبة الروائية.
وفي العنوان الأول ( البركة) نلمس حدثاً درامياً هو موت جابر الغامض، ومراسيم دفنه من قبل أهل القرية.
في (الكوانين) عنوان آخر من ثريات نص الرواية، نجد الروائي يسهب في الحديث عن أشهر الكوانين لدى الفلاحين والبدو، مسمياتها وموقف الناس منها، إضافة إلى أحداث شهدتها القرية في هذه الأشهر من السنة.
يمكن القول هنا إن الكاتب والشاعر عارف عواد الهلال انطلق في مسيرته الإبداعية شاعراً نبطياً، وهو يحمل الكثير من التراث الأردني بين جوانحه، ذهنياً ووجدانياً؛ بمعنى أنه متخصص في هذا المجال، فحاول في هذا العمل أن يؤرشف للتراث الأردني بعامة ولتراث حوارة إربد بشكل خاص، وإن جاءت هذه الأرشفة فنياً على حساب الحدث الروائي، فالرواية هنا تقدم معارف ومعلومات في اللغة والتراث كثيرة ومفيدة، بمعنى أنها تشكل وثيقة معرفية تراثية، بوصفها للمكان ولعادات الناس وطرائق عيشهم، لفلكلورهم وأغانيهم، لمعتقداتهم وأفكارهم البسيطة بلغة مباشرة وموصلة بعيداً عن الشعرية.
ومن هنا، ولأن هذا ما يشغل الكاتب ( تقديم المعلومات )، فهو لم يستثمر الأساليب السردية الحديثة، ولم يغامر ولم يجرب؛ فظلت الرواية عمودية الاتجاه، لا تتشعب أفقيا وتكسر الزمان والمكان،  بسيطة، تؤرخ وتقدم معلومات في الجانب التراثي، راصدة تفاصيل حياة الناس في حوارة شمالي الأردن.
وحسب العمل هذا ونحن نستعرضه هنا، في الفنون الشعبية، فهو وثيقة قمينة بالقراءة، والتريث عند عادات، ومفردات، وأوابد في طريقها إلى النسيان.
الكاتب: 
مخلد بركات
© 2024 تطوير وتصميم شركة الشعاع الأزرق لحلول البرمجيات. جميع الحقوق محفوظة