التراث الثقافي وعلاقته بالقانون
 
يقال أن ( من ليس له ماض ليس له مستقبل ) وبهذا المعنى يقول البدو ( اللي ماله قديم ماله جديد ), وتأكيداً على أهمية تراث الشعوب يقول الشاعر الافريقي / رئيس جمهورية السنغال سابقاً ليوبولد سنغور بأنه كلما مات إفريقي لاتموت مكتبة فحسب بل يموت بنك من المعلومات.

 

و يقول المفكر (سيجال) بأنه لدى محاولة فهم النظم الاجتماعية والثقافية، فإن أوقية من التاريخ تعدل رطلاً من النظريات. وقد قيل أن من لايعرف تاريخه عليه أن يدفع ثمن تجاربه، لأن من لا يعرف التاريخ حتماً يكرره. ولهذا فإن التراث يعتبر حجر الزاوية من أجل فهم الحاضر والتخطيط للمستقبل, مما يحتم علينا أن نضع قواعد واضحة نستند اليها خلال تعاملنا مع التراث. ولهذا كان لا بد من وضع قانون يحمي تراثنا الثقافي, هذا التراث الذي يعتبر جزءاً مهماً من هويتنا العربية الاسلامية.

 

إن الثقافة في مجموعها هي استجابه للحاجات الكلية للمجتمع الذي يحمل تلك الثقافة, وإذا استثنينا ميادين البقاء البيولوجي والاستمرار الثقافي، نجد أن هذه الحاجات تتأثر بالعوامل النفسية ذات الجذور العميقة، التي تكمن خلف الوجه الخارجي للأنماط الثقافية, ولا يمكن تفسير وجود هذه العناصر الثقافية ووظائفها بشكل سليم على أسس اجتماعية أو طبيعية، فهي تمثل استجابات لحاجات نفسية. وهذه الحاجات النفسية بدورها تكيفها وتوجهها سلسلة طويلة من الارتباطات والمصالح التي تقوم على أساس ثقافي.

 

ومن أجل تفهم العمليات الثقافية، فإنه لابد من توافر أمرين هما: معرفة محتوى الثقافة وتنظيمها معرفة شاملة، وملاحظة هذا المحتوى الثقافي وهو يعمل.
وهناك وجهان لمشكلة القوى المحركة للثقافة:
أولهما: عمليات النمو والتغير التي تعطي الثقافات شكلها ومحتواها في أي نقطة معينة من تاريخها.

وثانيهما: هو عمليات التفاعل بين العناصر الثقافية في هذه النقطة.
وتعتمد فعالية أي عنصر في الثقافة لسد الحاجات النفسية على الارتباطات التي قامت داخل الثقافة بالنسبة لهذا العنصر، أكثر من اعتمادها على صفاته الأصلية.

 

مثال: لا تشعر أية شابة في مجتمعنا برغبة قوية في التحلي بخزام الأنف، ولو أنها أهديت خزاماً فإن أول ما تفكر به هو أن تحوله إلى قرط، ذلك أن ثقافتنا تربط استعمال حلي الزينة بالآذان وليس بالأنوف، فالخزام الذي يثير السخرية إذا لُبس في الأنف، هو نفسه الذي إذا تحلت به الأذن يثير إعجاب الآخرين ويسد الحاجة النفسية عند من يلبسه.         
   
إن الارتباطات والتقديرات العاطفية والاندفاعات التي تكسب الثقافة حيويتها وتتسبب، على ما يظهر، في الجزء الأكبر من تنظيمها، كل هذه العوامل تقع وراء مستوى النمط؛ لأن الأنماط الثقافية لا تمثل إلا المستويات الخارجية للثقافة. أما الحقائق التي تستند إليها تأويلات الباحثين فكثيراً ما تكون قابلة لأكثر من تفسير واحد. ولهذا كانت جميع التحليلات بالنسبة لعناصر الثقافة الواقعة وراء مستوى النمط لا يدعمها إلا حكم المراقب، وهذا الحكم بدوره قلما يستطيع التحرر من التأثر بشخصية المراقب وبأساسه الثقافي، مهما حاول المراقب أن يكون موضوعّياً 1

 

لهذا فإنه يجب أن ينبري لدراسة التراث أبناء ثقافة ذلك التراث من الأكفاء المدربين الذين جرى إعدادهم للقيام بهذه المهمة، حتى يكون التوثيق أكثر موضوعية، ومعبراً تعبيراً سليماً عن محتوى التراث الثقافي، وما يكمن خلفه من عناصر نفسية فاعلة ومؤثرة تتعلق بقيم المجتمع ومثله العليا، خاصة أنّ التراث الثقافي الشفوي الأردني هو في مرحلة التلاشي والزوال أن لم نتداركه. وهو في آخر هذه المرحلة نكون بذلك قد أضعنا كنزاً ثميناً من تراثنا تسألنا عنه الأجيال القادمة، ونكون قد قصرنا في تدوين التاريخ الثقافي لهذه الأمة.

 

ولهذا لابد من وجود التشريع الذي يؤكد ضرورة توثيق التراث وحفظه ونقله للأجيال اللاحقة. وبهذه المناسبة أشير في ما يلي إلى القوانين الأردنية المتعلقة بحماية التراث الثقافي:
القانون الأساسي لحماية التراث الحضاري في الأردن هو قانون الآثار رقم 21 لسنة 1988.

القوانين والتشريعات الأردنية الأخرى التي تتناول بعض الجوانب الخاصة بالتراث الحضاري وهي:
قانون البيئة رقم 12 لسنة 1995 (المواد 5 و 21).
قانون السياحة رقم 20 لسنة 1988.
قانون تخطيط المدن والقرى والمباني رقم 79 لسنة 1966 وتعديلاته.
قانون حماية التراث العمراني والحضري لسنة 2005.
قانون رعاية الثقافة رقم 36 لسنة 2006 وتعديلاته.
وفي هذا الاتجاه فقد صادقت المملكة الأردنية الهاشمية على عدد من الاتفاقيات الثقافية التي تم اعتمادها من قبل منظمة اليونسكو.
وبهذه المناسبة أيضاً فإني أقترح تشكيل لجنة من الخبراء ( Task Force Commite ) من ذوي الاختصاص في حقول التراث الثقافي غير المادي المختلفة تكون مستقلة عن اللجنة الوطنية، وتعمل لجنة الخبراء وسيطاً بين منظمة اليونسكو واللجنة الوطنية بحيث تقدم اللجنة الوطنية الدعم للجنة الخبراء من أجل تحديد المشاكل التي تواجه التراث واقتراح الحلول العملية لها.
إن وضع قانون التراث الثقافي غير المادي في الأردن يتطلب توافر الأمور التالية:
معرفة المواد المراد حمايتها وتعدادها وحصرها ووضع قوائم بها تضمها.
معرفة القوانين المتعلقة بهذا القانون لدى أجهزة الدولة المختلفة.
إشراك القسم القانوني لجميع الوزارات والمؤسسات المعنية بهذا القانون حتى تنسجم أحكام القانون المذكور مع القوانين والتشريعات الاخرى تجنباً للتعارض بين نصوص تلك التشريعات.
الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في هذا المضمار وخاصة دولة اليابان التي وضعت قانوناً يعتبر من أرقى وأحدث القوانين المعنية بحماية التراث الثقافي غير المادي.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو هل بُذلت مجهودات سابقة لوضع مشروع قانون لحماية التراث الثقافي الأردني غير المادي،  وما هي الجهة المعنية بذلك حتى يمكن الاتصال بها والتعاون معها.
ومن أجل أن تكون الأفكار الواردة في هذه المقالة ذات نفع، فإنني أوصي بما يأتي:
تعيين ( لجنة خبراء ) تمثل كافة ألوان التراث الثقافي غير المادي، تكون وسيطة بين اللجنة الوطنية واليونسكو.
توفير القوانين المتعلقة بحماية التراث الثقافي غير المادي لدى الدول العربية ودولة اليابان باعتبار أن قانونها يعتبر من أرقى وأحدث القوانين في هذا المجال.
إصدار كتاب يتضمن سيرة المؤلفين الأردنيين في حقل التراث الثقافي غير المادي ومؤلفاتهم.
تدريس مادة التراث الثقافي غير المادي الأردني في المدارس والمعاهد والجامعات في الأردن.
إصدار نشرات دورية عن التراث الثقافي الأردني غير المادي وتزويد السفارات الأردنية بها.

اشتراط معرفة التراث الثقافي الأردني لدى الملحقين الثقافيين في السفارات الأردنية.
عقد ندوات دورية حول التراث الثقافي الأردني غير المادي تشارك فيه فعاليات أكاديميه ومهنيه وغيرها من المهتمين بالتراث.
وضع برامج في كافة وسائل الإعلام تتناول مختلف ألوان التراث الثقافي الأردني، بقصد توعية المواطنين بأهمية التراث وتعميق معرفتهم به باعتباره يمثل جزءاً من هوية الشعب.
وهذه التوصيات أرى أنّها قمينة بالتوقف عندها، والزيادة عليها، والأخذ بها من أجل تعزيز تراثنا الثقافي غير المادي، وتعريف الأجيال به، وحفظ الهوية الوطنية الأردنية من التشويه، أو الضياع.
الكاتب: 
المحامي الدكتور محمد أبو حسان
© 2024 تطوير وتصميم شركة الشعاع الأزرق لحلول البرمجيات. جميع الحقوق محفوظة