الآلات الموسيقية الشعبية الأردنية نايف الزعبي

 

 

الآلات الموسيقيّة الشعبيّة الأردنيّة

نايف الزعبي·

تحظى الآلات الموسيقيّة بأهميّة خاصة في الدراسات الفلكلوريّة والأنثروموزيكلوجيّة التي تهتم بثقافات وموسيقات الشعوب نظرًا لأهميتها في التعريف بالبيئة الثقافيّة والاجتماعيّة التي نشأت فيها إضافة إلى دورها في القاء الضوء على مراحل التطور البشري ومواكبة ارتقاء الانسان الحضاري وتفاعله مع معطيات الكون.

والآلات الموسيقيّة تقسم إلى نوعين: لحنيّة وإيقاعيّة، فالوتريات وآلات النفخ تختصّ بعزف الألحان، بينما الآلات الإيقاعيّة تختصّ بأداء الضروب الإيقاعيّة. والآلات الموسيقيّة بشقيها: اللحنيّة والإيقاعيّة، تعد ركنًا من أركان الفن الشعبي الأساسيّة الأربعة: المقامات والضروب والقوالب والآلات. وقد ارتبطت الآلات الموسيقيّة المستخدمة لدى المجتمعات بالبيئة المحيطة بها من حيث صناعتها ودورها الأبرز في مصاحبة الغناء كما في مجتمعاتنا الريفيّة والبدويّة.

وتم تصنيف الآلات الموسيقيّة الشعبيّة الأردنيّة من قبل الباحث على أساس مكوّنات المجتمع الأردني بحسب تفرّد استخدام كلّ من الريف والبادية لهذه الآلات على النحو التالي:

  1.  الآلات الريفيّة: الشُبّيبة والمجوز والدربكة والطبل الكبير.
  2. الآلات البدويّة: الربابة والشبيبة والمهباش.
  3. المشتركةالربابة والمهباش.

1- 1. الشُبّيبة

المعروفة بالشبابة، وهي آلة نفخ معدنيّة، وأهمّ الآلات الموسيقيّة الشعبيّة في ريف الأردن. ولكونها آلة بدائيّة غالبًا ما يقوم العازف بصنع شبابته بنفسه، فهي عبارة عن قصبة معدنيّة مفرغة من الداخل مفتوحة من الجانبين يتمّ ثقبها خمسة ثقوب على طولها؛ يصدر العازف الهواء من رئته، ويتحكم بإصدار كميّة الهواء من شفتيه إلى داخل الاسطوانة من خلال الفوهة، ويتحكم بأصابعه لإخراج الهواء من الثقوب الخمس لإحداث النغمات المطلوبة.‏

وتصنع الشبابة حديثًا من أنبوب معدني بطول 38 سم، القطر الداخلي للشبابة 16مم، وعلى بعد 5 سم من نهاية القصبة نبدأ بتثقيب الشبابة كلّ ثقب بقطر 6-7مم، ويكون عدد الثقوب فيها خمسة وكلّها على خط مستقيم والمسافة بين كلّ ثقب والذي يليه 3 سم. ولصناعة الشباّبة المعدنيّة يستعمل المثقب للثقوب والمبرد لتنظيف الثقوب من الزوائد المعدنيّة، والمتر لتحديد الأطوال والأبعاد. وأهمّ معدنين يستعملان في صناعة الشبابة الألمنيوم والحديد، بينما في السابق كانت تصنع من خشب القصّيب التي تشبه آلة الناي.

وللعزف على الشبابة طريقتان: الأولى توضع فوهتها بين الشفتين بشكل مائل قليلًا، والطريقة الثانيّة توضع تحت أحد السنّين الأماميين من الفك العلوي، وهذا النوع الأخير من العزف يسمى (العزف على السن)، وهذه الطريقة شائعة في المناطق الغربيّة الشماليّة القريبة من الحدود الأردنيّة الفلسطينبة مثل بعض القرى التانبعة لمدينة اربد ومنطقة الاغوار. وفي كلتا الطريقتين يتحكّم في إحداث الصفير تجويف الفم واللسان والحنجرة والرئتين.

أمّا من حيث المساحة الصوتيّة التي تصدر عن آلة الشبابة فتقارب الديوانين الأوكتافين لأنّ طبقة الجواب تعتمد على قوّة النفس وطريقة نفخ الهواء بداخلها، كما أنّ صوتها مرتفع يفوق بكثير صوت الناي كونها معدنيّة.

 

2. 2 - المجوز

آلة نفخ خشبيّة من زوج من قصبتين ملتصقتين معًا. وصناعة المجوز صناعة فرديّة يورثها عازف المجوز لأّحد أبنائه أو تلاميذه، تستخدم في الأفراح وهي منتشرة في كافة بلاد الشام (الأردن، فلسطين، سوريا، لبنان) خصوصًا في المناطق الريفيّة منها، وقد امتدّ استعمالها حديثًا فانضمّت إلى الفرق الموسيقيّة التقليديّة التي ترافق بعض المشاهير من المطربين، وارتبطت هذه الآلة بعزف ألحان من المقامات الأربعة: البياتي والراست والسيكاه والصبا المستخدمة في الغناء الشعبي الأردني. وقد أبدع أهل حوران في صناعتها إذ تصنع من نبات القصب حيث عرفت منطقة حوران الريفيّة بالزراعة وتكثر فيها الوديان والينابيع والشلالات حيث يتواجد القصب على ضفافها بالقرب من المياه.

 

وسمّي المجوز بهذا الاسم لأنّه يتألف من زوج من القصب أيّ من قصبتين ملتصقتين معًا، تعرف كلّ واحدة منهما باسم الأمايّة المثقوبة ستة ثقوب.

 

يتألف المجوز من قصبتين مفرغتين ملتصقتين بواسطة شمع العسل بالاضافة إلى ربطهما بخيوط قطنيّة قويّة، كلّ قصبة مثقوبة ستة ثقوب متتاليّة وفي بعضها يكون الثقب السادس من الخلف يخصّص العازف له إصبع  الإبهام، ويدخل في مقدّمة كل قصبة زمارة صغيرة مصنوعة من القصب أيضًا مفتوحة من إحدى النهايتين، وتشق شقًا صغيرًا بشكل مائل بواسطة السكين ويكون مكان الشق وسط الزمارة التي تظل حرّة حيث يمكن إدخالها وإخراجها في القصبتين ليتم العزف عن طريق النفخ فيها وتنظيفها، ويتمّ تحريك الأصابع على الفتحات الست لتبديل النغمات. ويتكون المجوز من الأجزاء التاليّة:

- البنيتان: وكل منهما مغلقة من إحدى نهايتيها وطول الواحدة منها يتراوح ما بين 5-7 سم، والقطر الخارجي للواحدة منهما 8 مم.

- العزابيتان: وهما أنبوبتان بطول 8 سم، وبقطر 8 مم، وتدخلان في الإمايّة والدوايّة.

- الإمّايتان: وهما أنبوبتان طول الواحدة منهما يتراوح ما بين 26-28سم، وبقطر داخلي ما بين 10-12مم، وعلى كل من الإمايتين ستة ثقوب قطر الواحد منها 6-7مم، وكل ثقب يبعد عن الذي يليه 33سم، وتكون الثقوب على الإمايتين متوازيّة ويبدأ الثقب الأول على بعد 3سم من نهايّة الإمايتين.

- الردادتان: وهما الطول الباقي من الإمايتين ابتداءً من نهايّة الثقب الأخير وحتى نهايّة كل من الإمايتين ويبلغ طول كل منهما من 8-99 سم.

 

1- 3- الدربكة (الطبلة العربيّة):

من أهمّ الآلات الإيقاعيّة العربيّة وأبرزها في فرق الموسيقى العربيّة التقليديّة المنتشرة في البلدان العربيّة وتركيا. وقد استخدم هكتور برليوز الدربكة في إحدى أوبراته في عام 1890 وكذلك استخدمها المؤلف الموسيقي داريس ميلود في عام 1932.

ويصنع جسم الدربكة من الخزف ويشد على الطرف العريض منها سطح جلدي أو بلاستيكي. للتوقيع على الدربكة فتوضع أفقيّة على فخذ المؤدي أو العازف وهو جالس، وفتحة أسطوانتها باتجاه خلف العازف، أو يمسك العازف الدربكة تحت ذراعه أثناء الوقوف، ويوقع على رقها الجلدي بأصابع كلتا اليدين على منتصفها لإحداث  الدُمّ  وعلى أطرافها لإحداث التك.

وفي زمننا الحاضر يصنع جسم الدربكة إمّا من الفخار مشدودًا على فوّهته جلد الماعز أو جلد السمك، وإمّا من الألمنيوم مشدودًا على فوّهته رقّ من البلاستيك المقوّى، وحديثًا تصنع من مواد تركيبيّة، بما فيها الألياف الزجاجيّة. وطول قطر أسطوانتها 12سم، وسمك جدارها 1.5سم تقريبًا، يمتدّ طولها ليصل إلى 25سم تقريبًا، ثم يبدأ بالاتساع لينتهي على شكل جرس طول قطره 21سم تقريبًا، ويشد على فوهته الجلد. تتفاوت أحجام الدربكة فتتدرج في الصغر ليصل طول أسطوانتها بالكامل إلى 10سم تقريبًا، ويعرف هذا الحجم باسم (دربكة الأطفال). كما يتدرج حجمها ليكبر قليلًا عن المقاس التقليدي المبين، ويعرف هذا الحجم باسم (الدُّهُلَّة) في مصر، وتستخدم الدُّهُلَّة كآلة مرافقة للطبلة في الفرق الموسيقيّة الشعبيّة والتي تتكون من عدة آلات ايقاعيّة وذلك لإحداث صوت الدم الكبيرة  البيز .

واستخدام  الدربكة  واسع النطاق حيث يستخدمها عامة الناس في أفراحهم وكافّة مناسباتهم السارّة في الريف والمدن والأحياء الشعبيّة، فضلًا عن استخدامها في الفرق الموسيقيّة العربيّة بكافّة اشكالها. أمّا استخدامها في الأردن فقد اقتصر على مصاحبة الغناء في مناسبات الأفراح، وفي بعض القوالب الغنائيّة الشعبيّة مثل:  أغاني الدبكة  و  أغاني المناسبات الاجتماعيّة  كالزفّة والطهور وفي قالب العزف الآلي  التشييلة، بينما لم تصاحب بقيّة القوالب الغنائيّة التاليّة:  غناء الشلع،  وترنيمة المهاها،  والنويح،  وغناء الجوفيّة،  وغناء الحداء،  وغناء الهجيني،  وموال الشروقي،  وغناء السامر،  والقصيد، وقالب العزف الآلي واستهلال الربابة للغناء .

 

1- 4- الطبل الكبير

يتكوّن من إطار خشبيّ دائريّ تشدّ عليه من الجهتين قطعة من الجلد، ويتمّ حمله بواسطة نطاق جلدي، ويستخدم العازف  الطبّال  بيده عصا ذات رأس كروي أو معقوف من الخشب القوي المصقول لقرع الطبل وإحداث صوت  الدُم، أما بيده الأخرى فيقوم باستخدام عصا أو ذراع رفيع من الخيزران من دون رأس وذلك لإحداث صوت التك.

والطبل الكبير آلة ايقاعيّة تستخدم بعامّة في عدّة فرق منها: فرق الجاز والفرق العسكريّة والأوركسترا. أما استخدامها في الفنّ الشعبيّ الأردنيّ فهو قليل إذ تأتي مصاحبة للدربكة أحيانًا ومع بعض القوالب الغنائيّة مثل:  أغاني الدبكة، والشلع  قديمًا، كما أنّ عازفيها قلة، وحديثًا انضمّ الطبل الكبير إلى الفرق الموسيقيّة التقليديّة التي ترافق بعض مشاهير المطربين الذين يستخدمون أغاني الدبكة الشعبيّة وترافقهم فرق الدبكة والفرق الاستعراضيّة خصوصًا في الحفلات.

ثانيًا : الآلات البدويّةليس هناك آلات موسيقيّة يستخدمها البدو منفردين دون غيرهم.

ثالثًا : الآلات الريفيّة البدويّة – المشتركة

1- الربابة

الربابة آلة وتريّة قوسيّة ذات وتر واحد، يستخدمها العرب الرحل في الجزيرة العربيّة منذ القدم، وفي الأردن تعدّ رمز التراث البدوي، وتكاد تكون السمة الفنيّة البارزة في مجالس شيوخ الباديّة، ويستخدمها الشعراء المداحون . كما يستخدمها شعراء ومغنو القصيد في مضافات الريف. وتقتصر مصاحبتها على غناء الصوت البشري في كل من قالبي غناء القصيد  وموال الشروقي، وكما يستعملها الغجر (النور) . وتتناسب مع طبيعة البادية من حيث ملاءمتها للمناخ الصحراوي، كما تصنع من الأدوات البسيطة المتوفرة في البيئة البدويّة كخشب الأشجار وجلد الماعز أو الغزال، وسبيب الفرس.

أجزاء الربابة

- الهيكل : مربّع خشبيّ يميل إلى الاستطالة مثقوب منتصف ضلعيه القصيرين حتى يسمح بمرورعنق الربابة.

- عنق الربابة : عصا طويلة مثبّت أسفلها بطارة الربابة، وفي أعلاها مجرى يثبّت بها الكراب.

- الكَراب : قطعة خشبيّة بمثابة مفتاح خشبي يثبت بأعلى العنق، يربط بها الوتر ويشد ّإلى النغمة المطلوبة، والفعل كَرَب يكْرُبُ  بمعنى شَدَّ يشدّ. (يعمل بمبدأ مفاتيح آلة العود أو القانون).

- طارة الربابة : الكتلة الخشبيّة المفرغة الناتجة عن تشكيل الهيكل، بعد شد جلد ماعز أو غزال على جهتيها، وظيفتها تكبير الذبذبات  الناتجة عن الوتر المشدود عليها.

- السبيب : هو شعر ذيل الحصان أو الفرس الذي يصنع منه وتر الربابة والقوس، ويجمع ويثبّت بواسطة خيوط متينة.

- القوس: يصنع في الغالب من عود الرمان أو الخيزران ويشدّ على طرفيه وتر من مجموعة شعرات من شعر ذيل الحصان أو  الفرس.

- الغزال : قطعة خشب رفيعة على شكل مثلث توضع تحت الطرف السفلي للوتر لترفعه عن الطارة حتى لا يلامسها عند العزف  والضغط عليه على غرار الغزال الذي يستخدم لرفع الأوتار في آلة الكمان.

- المخدّه : قطعة قماش صغيرة توضع تحت الوتر من أعلى لترفع الوتر عن ساق الربابة، ووظيفتها كوظيفة الغزال في الجهة  المقابلة.

وتصنع الربابة من الجلد بعد إزالة شعره وتجفيفه، فيشدّ الجلد على وجه وظهر الهيكل الذي تخترقه عصا مستديرة، ويمدّ على الجلد الوتر، يرفع الوتر عن الجلد بواسطة الغزال. ويصدر الصوت بتمرير القوس على الوتر لنستمع إلى نغمة مطلق الوتر، أما باقي النغمات فتخرج عن طريق العزف بالأصابع الخمس على الوتر مباشرة من الجانب المقابل للأصابع وليس بضغط الوتر باتجاه الرقبة.

 

عرف العرب سبعة أشكال من الرباب هي: المربع، والمدور، والقارب، والكمثرى، والنصف كرة، ولطنبورى، والصندوق المكشوف.

 

ومن أنواع الربابة المعروفة أيضًا الربابة المصريّة، وهي قديمة ذات وتر واحد أوجدها قدماء المصريين. وتستخدم إلى يومنا هذا، ويستعملها الشعراء والمداحون خصوصًا في صعيد مصر. تشبه الربابة في منطقة البحث من حيث المبدأ، والاختلاف جاء في استبدال الهيكل الخشبي بالجوزة ويطلق عليها أيضًا اسم الجوزة. والمتطورة منها ذات وترين وتعرف برباب المغني.

2- المهباش: مفرده مهباش والجمع  مهابيش، وهو آلة خشبيّة هي  الجرن  المخصص لطحن حبوب القهوة المحمصة. وتصدر اليد التي تضرب القهوة لطحنها ضربات إيقاعيّة. ويعدّ المهباش آلة إيقاعيّة من ضمن الآلات الموسيقيّة الشعبيّة الأردنيّة حتّى لو لم يصاحب الغناء أو عزف آلة موسيقيّة أخرى. وقد ظهر استخدامه حديثًا في بعض التسجيلات الموسيقيّة كآلة إيقاعيّة مصاحبة في بعض الأغاني الأردنيّة، كما ذُكر في بعض الأغنيات الشعبيّة الأردنيّة القديمة.

 

وكلمة مهباش مشتقّة من المصدر العربي  (هبش)  بمعنى كسب، وبمعنى ضرب أو دق إلى درجة الإتلاف. ويعدّ المهباش رمزًا للكرم عند أهل الباديّة والريف على حد سواء.

 

والمهباش وعاء مجوّف منحوت من جذوع الشجر، وخيرها الذي صُنع من شجر البطم. ويتفنن صنّاعه بحفر وتطعيم خشبه بالفضّة أو النحاس، بعد طلائه بألوان يغلب عليها السواد، ورسم أشكال مختلفة، مع زركشة لفوّهته بالمعدن الأبيض، وللمهباش يد طويلة (مدقة) يتفنن الصناع بتشكيلها. وكانت المهابيش عند البدو تسمع عن بعد في بيوت الشعر، حيث يدقّ بها البنّ، فيعرف من يسمع المهباش أنّ القهوة اليوم عند فلان، فيجتمع الرجال في ديوانه للسمر، وتبادل  (السواليف) أخبار من سلف.

 

وهناك محترفون في دق القهوة، يمتلكون مهارات لابتكار الإيقاعات التي تصدر من الدق في المهباش. ويعرف كلّ ضارب  (دقّاق)  من إيقاعاته عند استماع البدو له فيقولون: مهباش أبو فلان صبّح يضبَح. أما اليوم، فقد أصبح المهباش في البيوت أداة يمتلكها الكثيرون للزينة كأداة تراثيّة يزينون بها بيوتهم، ولا يستعمل؛ إذ حلت محله مطاحن القهوة الكهربائيّة.

هذه وقفة مع الآلات الموسيقيّة الشعبية الأردنية، يرجو الباحث أن يكون قد وفّق في توضيحها.

© 2024 تطوير وتصميم شركة الشعاع الأزرق لحلول البرمجيات. جميع الحقوق محفوظة