المكتبة مخلد بركات

كتاب أعراف البادية

*مخلد بركات

     بدعم من وزارة الثقافة للعام 2010، صدر كتاب أعراف البادية للشّاعر والباحث التراثيّ عارف عواد الهلال،  وهو كما أشار الروائي هاشم غرايبة في مقدمته:" بحث أصيل، يتتبّع نسغ حياة البادية من الفروع إلى الأصول إلى الجذور، يتناول أسلوب العيش في البادية وما يتطلّبه نمط  حياة البريّة من نُظم ومحدّدات وعادات وتقاليد، كما يصف ما يلائم أهلها من مسكن ومأكل ومشرب، ويجمع عالم البداوة في نسيج متين يربط بين الفرد البدويّ ومجتمعه، وبين المجتمع البدويّ ومحيطه، عبر بيانه الأشياء ودلالاتها والسلوكيات وضروراتها، والأعراف المشتقة من الواقع وأهميتها..."

   وقد كان الغرايبة محقًّا في كلامه الدالّ، فهذا العمل وثيقة اجتماعية  رصينة، ترصد الكثير من أعراف البادية الأردنية وتقاليدها، ماضيًا وحاضرًا بحسب رؤية المؤلف الواقعيّة والنفسيّة كما يعبّر عن ذلك:" كتابي هذا استظهرته ممّا استقرّ بين الجوانح، واستطلقت عُقله من مباركها في الذهن، ثمّ ألقيته على نفسي ما بين الحوالك والدّوالك، وأوائل الضحى وأطراف العشي..." ونلمح هنا لغة تراثية رصينة تدلّل على  مداميك البناء الدّاخلي للعمل.

 

     وقد قسّم الباحث كتابه إلى فصول تحمل عناوين فرعيّة تمثّل ثريّات مشعّة للدلالة على المضمون، وهذا ما نلمسه من العنوان الأوّل( العرب والأعراب) الذي ولج فيه إلى التّفريق بين العديد من المسميات من مثل: الحضر، البدو، العرب، الأعراب، النبط... وفي الفصل الثاني يدخل (بيت الشعر البدويّ) لنتعرّف على مكوّناته ومسمّياته وطرائق صناعته، وما يمثله في وجدان البدوي.

 

ثم يمضي في فصوله المتبقّية محلقًا وشارحًا مترنمًا ومفصّلًا في: الرّحيل والنّزيل، النزالة والملحة، القهوة، القضاء العشائريّ، الدّخالة والجَلوة، والأسماء، والانتخاء ( وهو طلب العون والفزعة، أو اسناد القبيلة إلى اسم إحدى كريماتها فيقولون (خوان فلانة) تكريمّا لها،  كما تطرّق للزّواج ، والفأل وغير ذلك من الأعراف ومفردات  البادية الأردنيّة.

 

     والقارئ لهذا الكتاب المختصّ بتراث البادية الأردنيّة وحاضرها يلمس حماسة الباحث وإخلاصه لعمله وعلمه، من حيث الموازنة والعقلانية والتفكيك السّببي والشموليّة في التناول، باستخدام لغة رصينة خالية من العيوب في النحو والإملاء والتركيب، كأنّما ينهل من تجارب العمر كونه من أبناء هذه البادية، لامس حنينها ووجعها وأنينها، أفراحها وأتراحها وامتزج بحبات رمالها، عرجونًا قديما مكتنزًا بالبخور ورصد المساءات وحداء الإبل، مراجعه ومصادره ما وقر في باله من سواليف الأجداد ومعايشة التفاصيل..." ولا ينبئك مثلُ خبير".

 

الأغنية الشعبيّة الفلسطينيّة

    صدر هذا الكتاب بدعم من وزارة الثقافة العام 2009 لمؤلفه الباحث التراثي حسين العطاري/ أبو علّام، وهو كتاب يبحث في الأغنية

 الشعبيّة الفلسطينيّة من النواحي البنيويّة والجماليّة، ومدى ارتباط هذه الأغاني  بوجدان الناس وملامستها لتفاصيل حياتهم اليوميّة المختلفة، حيث تُغنّى وتلحّن بطريقة سلسة شعبيّة، يسهل ترديدها وحفظها في المناسبات المختلفة لهذا الشعب الذي ما انفكّ يعاني من الظلم والقهر، وضياع حقّه بوطنه وحريّته.

 

     وقد تتبّع الباحث هذه الأغاني من مصادرها ومراجعها الشفهيّة المختلفة، ليغدو كتابه سجلًّا توثيقيًّا لهذه الأغاني الطربيّة الجميلة؛ حفظًا لها من أسباب الضياع والنسيان، هادفًا إلى حفظ الهويّة الفلسطينيّة العربيّة ضدّ كلّ محاولات الطّمس والتّهميش، ولكي يظلَّ هذا الإرث اللحنيُّ الموسيقيّ شاهد عيان على مكوّنات الفرح الفلسطينيّ والهموم المتّشحة بالأمل والحلم بغد أفضل، ومستقبل يضمن للأجيال القادمة عدم ضياع موروثها القيّم المليء بالشوق الإنساني نحو قيم العدل والخير والجمال والحريّة.

 

    يربو الكتاب على 300 صفحة من القطع الكبير، وقد قُسِّم إلى عناوين فرعيّة وفصول ضمن منهجية علميّة ليغطي حقول الأغنية الشعبيّة الفلسطينيّة في العديد من المجالات: السّفر، والحجّ، والمرض والعلل، الطّهور والختان، والاستسقاء وانحباس المطر، والعقد والبناء، والعمل والإنتاج الزراعيّ، والفلاحة والحصاد والتّعشيب ومواسم قطف الزيتون، والطفولة، وتقاليد الزواج، والتعاليل والسامر.

 

    وقد أدرج الباحث الكثير من متون الأغاني ونصوصها مع توضيحات لبعض معانيها وتفسيرات لبعض المكوّنات النّصيّة لتقريب المعنى للقارئ، فضلًا عن ضبط حروف كلمات الأغاني بالحركات كي يفهمها المتلقّي على الوجه الصحيح، وهو جهد كبير يُحسب للباحث، الذي قام بكتابة مقدّمات إيضاحية لكلّ حقل من حقول الأغاني الشعبيّة كتمهيد وعتبات لفهم مدلول هذه الأغاني العذبة الإيقاع واللحن.

 

     إنه جهد كبير، يؤرشف ويوثّق للحياة الشعبيّة الفلسطينيّة من جهة الأغنية التي حتما تختزل في ثناياها معاناة هذا الشّعب العظيم، أشواقه للحياة، وتفاصيل يوميّاته التي يعيشها ببطولة هناك... بالرغم من كل الأعاصير!!.

 

مختارات أردنية من الشعر النبطي ورواده في الأردن

    للكاتب الأردني طارق كساب الدعجة صدر" مختارات أردنية من الشعر النبطي ورواده في الأردن" ضمن إصدارات مكتبة الأسرة الأردنية؛ هذا المشروع الرائد والذي تنفذه وزارة الثقافة تحت شعار" القراءة للجميع". ويأتي اختيار هذا الكتاب لأهميته في مجال  الشعر النبطي ورواده.

    هذا الكتاب يأتي في مسار التعريف بكوكبة من شعراء القصيدة النبطية في الأردن، ممن ساهموا في تأسيس الحركة الشعرية لها وممن تابعوا المسير في كتابتها وتطويرها، سواء أكانوا راحلين أم على قيد الإبداع، فيؤرخ لسيرهم الذاتية وأبرز ما يميز تجاربهم، ثم يدرج مجموعة من قصائدهم المشهورة مع شروحات للمفردات التي تحتاج إلى التوضيح في الهوامش، دارجا صورا فوتوغرافية تلقي المزيد من المعلومات حول الشعراء.

 

ومن هؤلاء الشعراء : نمر بن عدوان،  سالم الشاهين، سالم القنصل، عبدالله العكشة، مفلح المبيضين، ابراهيم الصعوب، محمد الحجايا... وغيرهم. وهم شعراء من أماكن أردنية مختلفة، ويمثلون أجيالا متعددة ولكل منهم أسلوبه الخاص وملكته الشعرية.

  في مقدمة كتابه يقول الباحث: " إن الشعر النبطي أو كما يسمونه (الشعر الشعبي) هو لسان الشاعر للبوح بأحاسيسه الدفينة من خلال كلماته وحروفه ذات المعاني الرائعة التي تصور الواقع الذي يعيشه أو تصور خياله وأحلامه". ويضيف في مكان آخر: " البادية عالم قائم وحده، لأن لها عاداتها وتقاليدها وحياتها وأدبها وثقافتها، ومسؤولية الحفاظ عليها تقع على أكتاف أبنائها دون استثناء، فهي تاريخ مشرف وموروث لنا وفخر عظيم". ولعل الباحث هنا حقق أهدافه المرجوة من حيث الحفاظ على هوية القصيدة النبطية، وإيصالها لقرائها من أجل الفائدة والاستمتاع الذوقي الأدبي، ومحاولة حفظ الشعر النبطي من عوامل التهميش والنسيان والتقليل من السحر البياني في هذه القصيدة التي أخذت تبرز وتشكّل لها حضورا كبيرا بفضل عوامل عديدة منها المهرجانات السنوية، والمسابقات المتعددة وبخاصة التي تقام في دول الخليج العربي، وتخصيص فضائيات تعنى بالشعر النبطي.

 

كما أوضح الباحث مفهوم الشعر النبطي ومميزاته والبنية الموسيقية له، من حيث الإيقاع والبحور مع إدراج الأمثلة والشواهد على ذلك.

ومما يحسب لهذا العمل التراثي الممتع المنهجية العلمية حيث جمع الباحث فصول كتابه من مصادر عديدة أشار إليها مع توضيحات عديدة لمقابلات شخصية و محادثات الكترونية.

مرحى للباحث المبدع طارق الدعجة على هذا الجهد المتميز في خدمة القصيد النبطي قديمه وحديثه.

 

 

 


* روائي  وباحث أردني.

© 2024 تطوير وتصميم شركة الشعاع الأزرق لحلول البرمجيات. جميع الحقوق محفوظة