عجلــون
في العصور البرونزية والعصر الحديدي
(3200ق.م- 333 ق.م).
2:2 العصـور التاريخيّـة
1:2:2 العصور البرونزية (3200ق.م- 1200ق.م).
2:2:2 العصر الحديدي (1200 ق.م-539 ق.م).
3:2:2 الفترة الفارسية (539 ق.م-333 ق.م).
عجلون في العصور البرونزية والعصر الحديدي
إعداد
أ.د زيدون حمد المحيسن د.محمد فاضل الخطاطبة
المحتويات
2:1:2:1:- العصور البرونزية (3.200-1.200) ق.م
وتتكون هذه من ثلاثة عصور، هي:
1- العصر البرونزي المبكر (3.200-2.000) ق.م
2- العصر البرونزي المتوسط (2.000-1.550) ق.م:
تم تقسيم العصر البرونزي المتوسط إلى مرحلتين:
أ. العصر البرونزي المتوسط الأول: 2.000-1.800 ق.م.
ب. العصر البرونزي المتوسط الثاني: 1.800- 1.550 ق.م.
3- العصر البرونزي المتأخر (1.550-1.200) ق.م
وقد قسم هذا العصر إلى ثلاث مراحل، هي:
أ. العصر البرونزي المتأخر الأول: 1.550-1.400 ق.م.
ب. العصر البرونزي المتأخر الثاني: 1.400-1.300 ق.م.
ج. العصر البرونزي المتأخر الثالث: 1.300-1.200 ق.م.
2 :1 :2:2 العصر الحديدي Iron Age (1.200- 586) ق.م
وقد قسم العصر الحديدي إلى ثلاث مراحل، وهي:
أ. العصر الحديدي الأول: 1.200-1.000 ق.م.
ب.العصر الحديدي الثاني: 1.000- 586 ق.م، ويقسم إلى ثلاث مراحل فرعية: (أ، ب، ج).
ج. الفترة البابلية الحديثة والفارسية: 586-332 ق.م.
العصور البرونزية (3.200-1.200) ق.م
سُمِّيَ العصر البرونزي بهذا الاسم نسبةً إلى البرونز الذي بدأ الإنسان باستخدامه في صناعة بعض أدواته، والتطور الأهم الذي حدث مع بداية هذا العصر، هو انتشار المواقع المسورة "المدن" في كافة أنحاء الشرق القديم، وقد نجم عن استقرار جزءٍ كبيرٍ من سكان الشرق القديم في مدن أوضاع اقتصادية معقدة كانت الحافز الأول إلى اختراع الكتابة (1).
وقد قسم العصر البرونزي إلى ثلاث مراحل، ولكل مرحلة تقسيمات فرعية أيضا، وهي:
4- العصر البرونزي المبكر (3.200-2.000) ق.م
وهو أول مراحل التمدن، حيث بنى الإنسان في النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد مواقع محصنة، مما أدى إلى ظهور المدينة، ونشأ مجتمع لديه دوافع اقتصادية تمخّض عنها تكوين دولة، وقد سمي هذا النظام بنظام "المدينة الدولة" أو "دويلات المدن" على اعتبار أنّ كل مدينة تكوِّن دولة مستقلة استقلالاً ذاتياً (2).
وتعتبر هذه الفترة استكمالاً مباشراً للتطور الذي تم إحرازه خلال العصر الحجري النحاسي، وقد نما نظام دويلات المدن نمواً طبيعياً، حيث لم يثبت وجود انقطاع ما بين مواقع العصر الحجري النحاسي المتأخر وأوائل العصر البرونزي، مثل موقع تل الشونة الشمالية (3)، وأصبح المعدن يستعمل بكميات أكبر(4)، وقد خضعت بلاد الشام في هذه الفترة للسيطرة المصرية، لوقوعها على الطريق الذي يربط وادي النيل بغيره من أقطار العالم المتمدن، وقامت في البلاد حامية مصرية، كانت على علاقة وثيقة مع حكام هذه البلاد، تخللها قيام بعض الثورات(5).
وقد تم تقسيم هذا العصر إلى أربع مراحل فرعية:
- المرحلة الأولى من العصر البرونزي المبكر "بدء نمو عصر التمدن" (3.200-2.900) ق.م: جاءت المواقع خلال هذه المرحلة صغيرة المساحة، أقيمت على شكل مجموعات حول ينابيع المياه الدائمة، أو تشرف على الأودية، ومبنية فوق أراضٍ خصبة، وامتدت لتشمل البادية الأردنية، وتمثلت المواقع بقرى زراعية صغيرة المساحة، وغير محصنة أقرب إلى المعسكرات، أقام أهلها القليل من المنشآت المعمارية الحجرية أو المبنية من الطوب، ويتخذ المنزل التخطيط البيضوي أو المستدير أو المستطيل، ويتكون من حجرة واحدة، وله مدخل واحد، وانخفضت أرضية المنزل درجة واحدة عن مستوى الساحة الخارجية، وصقلت بالطين، وبنيت الأساسات من الحجارة (6)، وعاش سكانها جنباً إلى جنب مع مجموعات بشرية متنقلة اعتمدت الرعي وسيلة للحياة، وكانت المجتمعات في هذه الفترة أكثر تعقيداً، إذ أصبح هناك فائض في الإنتاج، وظهرت الملكيات الخاصة.
- المرحلة الثانية والثالثة من العصر البرونزي المبكر (2.900-2.300) ق.م: أبرز ميزات هذه المرحلة هو انتشار المدن، وساد نظام "دويلات المدن" خلال المرحلة الثانية والثالثة من هذا العصر، حيث أصبحت المدينة محاطة بأسوار وأبراج دفاعية، تتبعها قرى تنتشر في محيطها الجغرافي، واعتمدت هذه المدن في اقتصادها على الزراعة والتجارة (7).
وبدأ بناء المدن فوق المرتفعات، وقد اختيرت مواقعها في مناطق تشرف على الأراضي الزراعية وتتحكم بالطرق التجارية وموجات الزحف العسكري، وتزايدت عرى الصداقة مع شمالي سوريا، من خلال العثور على الأختام السورية الشمالية في المواقع الأردنية المختلفة، بالإضافة للصناعات العاجية، وانتشار فخار خربة الكرك لأول مرة.
وفي نهاية المرحلة الثانية تعرضت بعض المدن للخراب، ومع بداية المرحلة الثالثة حل الدمار في معظم المدن، وانتقل الناس من الحياة في المدن إلى الحياة في المخيمات ومضارب الخيام، غير أن بعض المدن وصلت في المرحلة الثالثة أوج عظمتها، فشهدت حركة معمارية في بناء المباني العامة والدينية، وأعيد تحصين المدن بإضافة دعامات وزيادة سماكة التحصينات الدفاعية.
ويُرجح البعض أنّ الأسباب التي أدت إلى انهيار هذه المدن يعود إلى الحروب التي كانت قائمة بينها، والغزوات المصرية عليها، بالإضافة إلى حالة الجفاف التي تعرضت لها البلاد لسنوات طويلة (8).
- المرحلة الرابعة من العصر البرونزي المبكر (2.300-2.000) ق.م: أبرز ميزات هذه المرحلة تدمير المدن الأردنية، ولم يبقَ إلا بعض القرى والقليل من الفخار، ومثلت الحياة الرعوية الصورة الإجمالية لأنماط المعيشة في هذه المرحلة،، حيث عاش الناس في مضارب الخيام، والقليل منهم بقي يسكن المدن، وتكون المجتمع من جماعات تمتهن حرفة الرعي، وقليلاً من الصناعة والتجارة (9).
ويشير البعض إلى أن الانهيار الذي حلَّ في البلاد في هذه المرحلة كان على يدِ المجموعة الأولى من الأموريين (العموريين) (10)، حيث شكل الأموريون مصدر إزعاج للدولة الأكادية والدويلات التي تلتها، ووصفوا بأنهم برابرة لا يستقرون في مكان، ولا يعرفون الزراعة، ولا يدفنون موتاهم، ويأكلون لحماً نيئاً، ويتمركزون غربي الفرات في منطقة الجزيرة العربية في جبل بشري (11)، بينما يذكر (ياسين) أن المظاهر المادية تشير إلى الترابط ما بين الحقبتين: الثالثة والرابعة من العصر البرونزي المبكر، وأن التحول من حقبة لأخرى لم يتم فجأة أو على أيدي هجرات بشرية، بل كان على مراحل نتيجة مؤثرات داخلية، كحالة القحط التي تعرضت لها جنوبي بلاد الشام نتيجة انحباس الأمطار لسنوات طويلة، وبسبب افتقار المنطقة إلى الأنهار الكبيرة فكان الأثر عظيماً على هذه المنطقة (12).
ومن أهم المواقع التي تمثل العصر البرونزي المبكر في عجلون هما مواقع الدولمن وأم زيتونة:
5- العصر البرونزي المتوسط (2.000-1.550) ق.م:
تم تقسيم العصر البرونزي المتوسط إلى مرحلتين:
أ. العصر البرونزي المتوسط الأول: 2.000-1.800 ق.م.
ب. العصر البرونزي المتوسط الثاني: 1.800- 1.550 ق.م.
أ. العصر البرونزي المتوسط الأول 2.000-1.800 ق.م: أصبحت البلاد في هذا العصر أقل عزلةً عما كانت عليه في السابق، حيث اعتبرت الجزء الجنوبي من أرض كنعان الكبرى، وبعد أن هجر الناس مدن العصر البرونزي المبكر، عادوا إليها مرة ثانية في هذا العصر، وما أن مرت فترة قصيرة حتى كبرت هذه المدن، وزاد عدد المستوطنات، وزيّدَ من تحصين المدن، كما أقيمت مدن جديدة تقع على طرق القوافل في أماكن يسهل الدفاع عنها، ويعتقد بعض العلماء أنّ الذي دفع عجلة التقدم في البلاد هم المجموعة الثانية من الأموريين وكانوا على درجة عالية من الرقي والتقدم، وكانت مدينة جبيل "بيبلوس" على الساحل اللبناني نقطة انطلاقهم، وأطلق عليهم اسم "الكنعانيون الأوائل" ( 13)، بينما يقول البعض أن هذه الفترة تميزت بموجة من التفاعل الحضاري غمرت بلاد الشام، كان من نتيجتها إعادة بناء المدن واستقرار الأموريين فيها ( 14)، وساد نظام "المدينة الدولة" في منطقة الأغوار والمرتفعات الجبلية، وخاصة شمالي وادي الموجب ومنطقة البادية الشمالية، ويتبعها عدد من القرى الزراعية والمخيمات، بالإضافة لسكان البادية من البدو مثل الشاسو والعابيرو أو الخابيرو.
ب- العصر البرونزي المتوسط الثاني 1.800- 1.550 ق.م: ويعرف العصر البرونزي المتوسط الثاني باسم (عصر الهكسوس: 1720-1570) ق.م، وهي فترة من أزهى ما مرَّ على بلدنا في تاريخها القديم، ومعظم معالمها استمرار لآثار الفترة السابقة، لكنها تميزت بنوع جديد من التحصينات "الجدران الزلقة" ( 15).
وأخذت عرى الصلات تقل تدريجياً مع المدن الفينيقية والساحل السوري، وقد تركت حوادث هذا العصر أثراً واضحاً في الإنتاج الأدبي، لأن الكتابة أصبحت معروفة، وعليه فقد دخلت البلاد في عصور التاريخ المدون، وأصبحت تدعم الحقائق المادية التي يكشفها علم الآثار.
وزاد في هذا العصر عدد سكان المدن، وبالتالي زاد عددها وكبرت، ويقول العلماء أن سبب هذه الزيادة هو تعرض البلاد للموجة الثالثة من الأموريين وهم الهكسوس.
ومن أهم مميزات هذه المرحلة: تكاثر المدن والقلاع، وبناء التحصينات حول معظم مدن هذه المرحلة، وأهم مظاهر التحصينات: سور المدينة، والبوابات، وإحاطة الأسوار من الخارج بسد ترابي مصقول، ينحدر انحداراً شديداً نحو أسفل التل (الجدران المنزلقة)، ينتهي بجدار استنادي يليه خندق مبني من الحجارة، ويعزى ابتكار الجدران المنزلقة إلى الهكسوس، وتم العثور على هذا النظام من التحصينات في مدينة إربد(16).
وعاش سكان عجلون خلال هذا العصر في مدن كبيرة (مدن ممالك)، بالإضافة لوجود مجموعات بشرية أخرى تعتمد على الزراعة وتربية المواشي .
وتم العثور خلال هذا العصر على وثائق مكتوبة تتحدث عن بلاد الشام عامة، مثل نصوص اللعن المصرية، والكتابات التي عثر عليها في سوريا، وفي بلاد الرافدين، وبدأ التأثير المصري يضعف على بلاد الشام في هذا العصر، وخضعت البلاد لتأثيرات الممالك الأمورية التي كانت منتشرة في منطقة نهر الفرات، يدل على ذلك العثور على كسرتين طينيتين في موقع طبقة فحل عليها كتابات بالخط المسماري الأكادي الذي استعملته الممالك الأمورية.
وكشف النقاب عن أهم المكتشفات العائدة لهذا العصر في موقع طبقة فحل، وقد بنيت المدينة فوق تل صناعي تكون من ركام المدينة القديمة، وخاصة مدينة العصر البرونزي المبكر، وقد مرت المدينة في هذه المرحلة بثلاث حقب، جرى على كل واحدة منها تغييرات مختلفة (17).
I- معلوماتنا عن الحقبة (أ) لا تزال قليلة ومقتصرة على الفخار الذي عثر عليه في أماكن متفرقة ( 18).
II_ أحيطت المدينة في المرحلة (ب) بأسوار بنيت من حجارة كبيرة، وبنيت الأجزاء العليا بالطوب الطيني، وبلغت سماكة السور حوالي 3.3م، وتراوح ارتفاعه ما بين 3-7م، وتخلل السور أبراج مراقبة ضمن مسافات مختلفة، بنيت من الحجارة والطوب الطيني أيضاً، واستمر استخدام السور في العصر البرونزي المتأخر، والعصر الحديدي الأول(19) ، بالإضافة إلى استخدام الأخشاب، وكشف عن بيوت جاء بناؤها ملتصقاً بالسور من الداخل، وقصرت أرضياتها وجدرانها بالقصارة البيضاء(20).
III- أدخل على المدينة في المرحلة (ج) تغير كبير، خاصة في تصميم منشآتها، وزادت النشاطات المعمارية بشكل كبير، حيث امتدت المباني فوق السور السابق، وتميزت المباني بتخطيط معماري متقدم (21).
كما عثر بها على معبد بدأ استخدامه في العصر البرونزي المبكر، واستمر في العصر البرونزي المتوسط والمتأخر (22).
وقد ورد اسم المدينة في الوثائق المصرية التي تعود إلى 1800 ق.م باسم "فحيلوم" أو "بحل"، كما ورد اسم حاكمها "عبيرو-انو" (23), وتعد من أقدم الإشارات لموقع في الأردن.
ودلت التنقيبات الأثرية أن معظم المواقع قد تعرضت للخراب أو أصابها الدمار في نهاية هذا العصر، وذهب بعض العلماء إلى أن التدمير كان بفعل القوات المصرية التي لاحقت هروب الهكسوس (24).
وموقع ام زيتونة يمثل العصر البرونزي المتوسط في عجلون وقد ذكر مع مواقع العصر المبكر اعلاه.
6- العصر البرونزي المتأخر (1.550-1.200) ق.م
وقد قسم هذا العصر إلى ثلاث مراحل، هي:
- العصر البرونزي المتأخر الأول: 1.550-1.400 ق.م.
- العصر البرونزي المتأخر الثاني: 1.400-1.300 ق.م.
- العصر البرونزي المتأخر الثالث: 1.300-1.200 ق.م.
يعرف هذا العصر باسم عصر السيطرة المصرية، ويبدأ عندما تم القضاء على حكم الهكسوس في مصر، ثم في الأردن وفلسطين عام 1570 ق.م، وينتهي بهجوم شعوب البحر على بلاد الشام وتدمير كثير من مدنها حوالي 1200 ق.م ( 25).
وقد عثر على عدد من الوثائق التي تؤرخ لهذا العصر، ومن بينها: الوثائق الكتابية المصرية التي تبين مدى اهتمام مصر بمنطقة بلاد الشام، إذ تشير كتابات تحتمس (1470-1440) ق.م المنقوشة على جدران معبد الكرنك، أنه قام بما لا يقل عن ست حملات على بلاد الشام، واستمر الفرعون امينوفيس الثاني ورمسيس الثاني ورمسيس الثالث على هذه السياسة، حيث قاموا بعدد من الحملات لإخماد الثورات في بلاد الشام ( 26).
بالإضافة إلى رسائل تل العمارنة، وقوائم الملوك، والمسلات المصرية، كالمسلة المصرية التي عثر عليها مبنية في أحد مباني بلدة الشجرة قرب مدينة الرمثا، وربما يعود السبب في غنى المعلومات المكتوبة عن هذه الفترة هو خضوع معظم بلاد الشام للسيطرة المصرية.
أ. العصر البرونزي المتأخر الأول 1.550-1.400 ق.م: بدأت هذه المرحلة عقب طرد الهكسوس من مصر، وهذه المرحلة غير واضحة المعالم، حيث أن مجموعة من المواقع قد هجرت أو تعرضت للدمار (27).
وجاءت المستقرات البشرية التي تعود لهذا العصر على شكل مدن وقرى، وكان سكانها من الكنعانيين والآموريين الذين كانوا يعملون بالزراعة والتجارة في غور الأردن وشمال ووسط الأردن، حاولت تكوين حلف مشترك في محاولة للقضاء على السيطرة المصرية، مما دفع المصريون لشن الحملات على بلاد الشام، واستمر تلاحم مصر مع بلاد الشام زهاء القرن حتى حلَّ عصر العمارنة، وعندها انقسم الحكام المحليون لقسمين: قسم موال لمصر، وقسم ثار ضدها ( 28).
ب. العصر البرونزي المتأخر الثاني 1.400-1.300 ق.م: تميزت هذه المرحلة بفقدان الاهتمام المصري ببلاد الشام، وتدل الشواهد الأثرية على انتعاش العمران وازدياده وخاصة في الأبنية الدينية والجنائزية (29 ).
ج. العصر البرونزي المتأخر الثالث 1.300-1.200 ق.م: تميزت هذه المرحلة باستعادة النفوذ المصري في المنطقة، وتعتبر رسائل تل العمارنة من أهم المصادر لمعرفة حال البلاد في منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وتحوي هذه الرسائل إما شكوى من اعتداء مملكة مجاورة أو اعتداءات الخابيرو أو طلب مساعدة مالية (30 ), وتذكر رسائل تل العمارنة بعض المواقع في وادي الأردن، مثل: "بلا" أي طبقة فحل، و"حمات" أي تل الحمام الواقعة عند وادي اليرموك إلى الجنوب من الشونة الشمالية، وقد كتبت هذه الرسائل على ألواح طينية بالخط المسماري الأكادي، ويقدر عددها بحوالي ثلاثمائة رسالة، نصفها من الملوك الكنعانيين؛ مثل ملوك المدن الأردنية، وتعد الرسالة المرسلة من أمير مدينة طبقة فحل إلى المندوب المصري أقدم وثيقة تاريخية رسمية مكتشفة حتى الآن تخص الأردن، بالإضافة إلى المدن الفلسطينية، ومدن جنوبي سوريا، وتظهر الرسائل الصراع الذي كان قائماً بين ممالك دويلات المدن، وتشير لشكوى الملوك الكنعانيين من جماعة الخابيرو أو العابيرو وهم جماعة مرتزقة تحالفت مع بعض الملوك الكنعانيين ضد ملوك كنعانيين آخرين ومصر، مما دعا الملوك الكنعانيين الذين بقوا على ولائهم لمصر إلى الاستنجاد بمصر وفرعونها، إلا أن المساعدات المصرية لم تصل إلى طالبيها، مما أدى لفقدان مصر نفوذها بين ممالك المدن في بلاد الشام، ولم تسترجعها إلا بعد أن دبَّ الضعف في حكومات شمالي سوريا(31 ).
ومع نهاية العصر البرونزي المتأخر وبداية العصر الحديدي الأول ظهر الحثيون الذين قدموا للمنطقة من الشمال، بالإضافة لجماعات بشرية أخرى مثل الخابيرو أو العابيرو وقبائل الشاسو، وما لبثت هذه الجماعات إلا وكونت أحلافاً فيما بينها للتحرر من الحكم المصري، وشارك فيها أمراء من طبقة فحل وتل الحمّة، إلا أنَّ المصريين قاموا بشن حملات لمحاربة هذه الأحلاف والقضاء عليها ( 32)، حيث عثر على نقش فرعوني في مسجد الشيخ خليل في بلدة الطرة بالقرب من الرمثا يتحدث عن إخماد الثورات التي قامت بها الأحلاف السابقة، إلا أنّ الاهتمام المصري بدأ يصيبه الوهن في هذه المنطقة، ثم ضعف بالتدريج إلى أن تلاشى مع نهاية هذا العصر، وبدأت تتكون الممالك الأردنية التي اشتهرت في العصر الحديدي (33)
وقد دلت الحفريات الأثرية على ازدهار شمال الأردن خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وقد انتشرت المواقع في عجلون والمناطق المحيطة بها. وكان أهمها موقع طبقة فحل؛ حيث قام ملكها موت- بعلو ببعث رسالة إلى الفرعون المصري يطلب منه المساعدة ضد هجوم الخابيرو، وقد استمر السكان في استعمال أبنية العصر البرونزي المتوسط مع إجراء بعض التغييرات الطفيفة عليها، وتم الكشف عن مجموعة قبور ترجع لهذا العصر، عثر بها على مجموعة كبيرة من المنتجات المايسينية والقبرصية والمصرية، وما أن حلت المرحلة الثالثة من هذا العصر، إلا وقد بدأت حالة من الاضمحلال والركود تدب في المدينة، وتضعف تجارتها مع الخارج، وأخذت المساحة التي تحتلها المدينة تتقلص، ومن ثم تعرضت إلى الخراب والتدمير مع نهاية هذا العصر(34) ، كما تم الكشف في المنطقة الشمالية والغربية من تل يعمون قرب النعيمة عن بعض الجدران وحفر تخزين من الحجارة المتوسطة الحجم ترجع إلى العصر البرونزي المتوسط والمتأخر (35 ).
2:1:2 :2- العصر الحديدي Iron Age (1.200- 586) ق.م
وقد قسم العصر الحديدي إلى ثلاث مراحل، وهي:
- العصر الحديدي الأول: 1.200-1.000 ق.م.
- العصر الحديدي الثاني: 1.000- 586 ق.م، ويقسم إلى ثلاث مراحل فرعية: (أ، ب، ج).
- الفترة البابلية الحديثة والفارسية: 586-332 ق.م.
وقد شهدت منطقة بلاد الشام مع بداية القرن الثالث عشر قبل الميلاد تغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة، وانتهى النظام السياسي الذي عرف في العصور البرونزية باسم دويلات المدن، ليحل محله نظام الدولة الوطنية الموحدة، كما أن التبادل التجاري ضعف بالتدريج مع بلاد اليونان ليتركز مع الدول المحيطة.
وقد تابع الناس خلال المرحلة الأولى من العصر الحديدي السكن في كثير من مواقع العصر البرونزي المتأخر الثالث، لذا فقد بقي كثير من الطرز العمائرية مستخدماً، مثل تل إربد وطبقة فحل، حيث أعيد بناء السور المحيط بمدينة إربد، كما بنيت بيوت سكنية ومعصرة للعنب.
وجاءت المخلفات الأثرية التي تؤرخ إلى العصر الحديدي الثاني (أ) تحمل كثيراً من خصائص العصر الحديدي الأول، وجاء العدد الأكبر من مواقع هذه الفترة إما قبوراً أو مواقع للمراقبة، بالإضافة لبعض المساكن التي عثر عليها في طبقة فحل.
وشهد العصر الحديدي في الأردن استقرار مجموعات من الشعوب الجديدة أو القبائل البدوية التي كانت تجوب المنطقة واندمجت مع سكان المدن والقرى المحليين.
ونلاحظ قلة الوثائق المصرية التي تتحدث عن بلاد الشام في العصر الحديدي الأول، وذلك لانحسار السلطة المصرية عنها، ونشوء الممالك والدول المحلية ووقوعها تحت نفوذ آشور، وكانت أول صلة للآشوريين بالأردن زمن الملك الآشوري شلمناصر الثالث 858-824 ق.م، حين حارب سنة 853 ق.م تحالفاً من اثنتي عشرة مملكة في بلاد الشام، وتزايدت حملات الآشوريين خلال القرن الثامن قبل الميلاد على الأردن حتى أصبحت جميع ممالكها تابعة لهم وتدفع إتاوة سنوية، وبعد سقوط الإمبراطورية الآشورية آل الحكم إلى البابليين الجدد (الكلدانيين) في عام 582 ق.م تقريباً، وفي حوالي عام 539 ق.م سيطر الفرس على مقاليد الحكم في منطقة بلاد الشام، فخضع الأردن كغيره لحكمهم، وأصبح يدفع الجزية لهم، وأطلقت المصادر الفارسية على المنطقة الواقعة بين نهر الفرات وجنوب فلسطين بما في ذلك الأردن اسم "ما وراء النهر"، وبقيت المنطقة موالية لحكمهم حتى عام 332 ق.م عند مجيء الإسكندر المقدوني(36).
ومن أهم الوثائق المصرية التي تعود إلى العصر الحديدي الأول : بردية "اناستوزي"، التي تذكر وجود قبائل بدوية في جنوب الأردن اسمها "شاسو"، كما تصور الرسوم الجدارية في معبد "هابو" إلى الغرب من مدينة الأقصر في مصر، شعوب البحر وهم يدخلون أرض كنعان، كما يتحدث العهد القديم عن خروج بني إسرائيل من مصر مع بداية العصور الحديدية، كما تحدثت المصادر المحلية تدعمها الوثائق المصرية والأشورية والبابلية والفارسية عن الأوضاع في منطقة جنوب بلاد الشام في الفترة الواقعة ما بين 1.000-332 ق.م.
وقد رجح (متمان) أن عدداً كبيراً من القبائل الآرامية دخلت شمالي الأردن في الفترة الانتقالية بين العصر البرونزي المتأخر وبداية العصر الحديدي، وأنهم أقاموا بعض المستقرات المؤرخة لنهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وامتدت هذه المستقرات لتشمل المنطقة الواقعة إلى الجنوب من نهر اليرموك شمالاً حتى سيل الزرقاء جنوباً، مثل عين راحوب الواقعة على بعد 10كم إلى الشمال الشرقي من مدينة إربد، حيث ترد في الروايات التوراتية باسم (بيت-رحوب) كدولة آرامية ظهرت في بلاد الشام (37).
ومما يدعم وجود دولة آرامية شمال سيل الزرقاء: نقش بلعام بن بعور الآرامي في تل دير علا المؤرخ إلى القرن التاسع قبل الميلاد، حيث يذكر النقش أن الملك الآشوري تيجلات بلاسر الثالث قام بتعيين ستة من الضباط حكاماً على عددٍ من البلدات التابعة لحكمه، ومن ضمنها بلدة جلعاد الواقعة على الحدود الإسرائيلية (38)، على عكس ما يذكره العهد القديم من أنّ جلعاد قد شكلت جزءً من إسرائيل.
3:2:1:2 الحكم الفارسي 539-332 ق.م:
تمكن الملك الفارسي قورش من هزيمة البابليين الجدد والسيطرة على المناطق الواقعة تحت نفوذهم ومن ضمنها الأردن عام 539 ق.م، وتم العثور في معظم المواقع التي ترجع إلى الفترة الفارسية على حفر لخزن الحبوب والمحاصيل، بالإضافة إلى بعض القطع الأثرية الثمينة المستوردة من بلاد اليونان وفينيقيا، مما يدل على انتعاش الأحوال الاقتصادية خلال الحكم الفارسي.
واستمر الحكم الفارسي حتى مجيء الإسكندر المقدوني في عام 332 ق.م تقريباً، حيث بسط اليونان نفوذهم على المنطقة.
وتشير الدلائل الأثرية والكتابات التي عثر عليها إلى وجود مجتمع متمدن عاش خلال فترة الحكم البابلي الجديد والحكم الفارسي في عدد من مناطق الأردن، ومن أهم هذه المواقع: تل الفخار، وتل المغير إلى الشمال الشرقي من مدينة إربد، وإنّ أهم المواقع التي تعود لهذه الفترة وللفترات الكلاسيكية التالية هو موقع مغارة الوردة.
هوامش البحث ومراجعه
1. أبو طالب، محمود 1978م الأردن وفلسطين في العصور القديمة. عمان: وزارة الثقافة والشباب.
2. ياسين، خير نمر1991م جنوبي بلاد الشام:تاريخه وآثاره في العصور البرونزية. سلسلة الكتاب الأم في تاريخ الأردن، 2. عمان: منشورات لجنة تاريخ الأردن.ص.11.
3. ياسين، خير نمر1991م.ص.11.
4. هاردنج، لانكستر 1983م آثار الأردن. تعريب سليمان موسى. ط3. عمان: منشورات وزارة السياحة والآثار.ص.31.
5. ياسين، خير نمر1991م.ص.13.
6. نفس المصدر.ص.28,18.
7. أبو طالب، محمود 1978م.57-58.
8. ياسين، خير نمر1991م.ص32-37.
9. نفس المصدر.ص.59-60.
10. نفس المصدر.ص.58.
11. أبو طالب، محمود 1978م.ص.163.
12. ياسين، خير نمر1991م.ص58-59.
13. نفس المصدر.ص.119-122.
14. أبو طالب، محمود 1978م.65-66.
15. نفس المصدر.ص.66.
16. ياسين، خير نمر1991م.ص126-128.
17. نفس المصدر.ص.144.
18. ياسين، خير نمر1991م.ص145.
19. الخلايلة، سناء محمد سالم 1994م أنظمة التحصينات الدفاعية في المناطق الشمالية من وادي الأردن في العصر الحديدي (الفترة بين 1200-550 ق.م). رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة لمعهد الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة اليرموك.ص.877.
20. ياسين، خير نمر1991م.ص145.
21. نفس المصدر.ص.145.
22. الخلايلة، سناء محمد سالم 1994م.ص.87.
23. ياسين، خير نمر1991م.ص145.
24. نفس المصدر.ص.174.
25. أبو طالب، محمود 1978م.ص.70.
26. ياسين، خير نمر1991م.ص176-177.
27. نفس المصدر.ص.178.
28. نفس المصدر.ص.178-180.
29. نفس المصدر.ص.186.
30. أبو طالب، محمود 1978م.ص.70.
31. ياسين، خير نمر1991م.ص177-189.
32. الخلايلة، سناء محمد سالم 1994م.ص.91.
33. ياسين، خير نمر1991م.ص, 177,189.
34. نفس المصدر.ص. 99.
35. محمود النجار، وآخرون,2003م التنقيبات الأثرية في موقع يعمون لموسم 2002 ، ص: 7-9. أنباء كلية الآثار والأنثروبولوجيا. إربد: جامعة اليرموك.
36. أبو طالب، محمود 1978م.ص.80.
37 . Mittmann, S.1970 Beitrag zur Siedlungen und Territorialgeschichte des Nordlischen Ostjordanlandes ZDPV. Wiesbaden: Harrassowitz.P.227-228.
38.Oppenheim, L. 1955 Babylonian and Assyrian Historical Texts. Pp. 265-317 in J.B. Pritchard (ed.), Ancient Near Eastern Texts Relating to the Old Testament. 2nd Edition. Princeton: Princeton University Press.P.283.
المراجع
- أبو طالب، محمود 1978م الأردن وفلسطين في العصور القديمة. عمان: وزارة الثقافة والشباب.
- الخلايلة، سناء محمد سالم 1994م أنظمة التحصينات الدفاعية في المناطق الشمالية من وادي الأردن في العصر الحديدي (الفترة بين 1200-550 ق.م). رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة لمعهد الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة اليرموك.
- محمود النجار، وآخرون,2003م التنقيبات الأثرية في موقع يعمون لموسم 2002 ، ص: 7-9. أنباء كلية الآثار والأنثروبولوجيا. إربد: جامعة اليرموك.
- ياسين، خير نمر1991م جنوبي بلاد الشام:تاريخه وآثاره في العصور البرونزية. سلسلة الكتاب الأم في تاريخ الأردن، 2. عمان: منشورات لجنة تاريخ الأردن.
- هاردنج، لانكستر 1983م آثار الأردن. تعريب سليمان موسى. ط3. عمان: منشورات وزارة السياحة والآثار.
المراجع الاجنبية
- Mittmann, S.1970 Beitrag zur Siedlungen und Territorialgeschichte des Nordlischen Ostjordanlandes ZDPV. Wiesbaden: Harrassowitz.
- Oppenheim, L. 1955 Babylonian and Assyrian Historical Texts. Pp. 265-317 in J.B. Pritchard (ed.), Ancient Near Eastern Texts Relating to the Old Testament. 2nd Edition. Princeton: Princeton University Press.